قد تتوقع أن تجد متشككين في الرأسمالية في أقسام علم الاجتماع أو أقسام الأنثروبولوجيا، لم نادراً ما يكون هناك كثير من المعجبين بالرأسمالية في هذه الأقسام. لكنك ستعتقد أن أساس نظامنا الاقتصادي الأميركي العظيم يمكن أن يعتمد على تأييد طلاب الأعمال. وكما قال أحد الحاصلين على درجة الماجستير في إدارة الأعمال مؤخراً، فإن الحصول على ماجستير في إدارة الأعمال يجب أن يكون «أنقى تعبير عن الرأسمالية».

وتتمثل مهمة كلية إدارة الأعمال في تدريب الأشخاص الرأسماليين الذين يمتلكون ويديرون الأعمال. ومع ذلك، فقد كتب العميد السابق لكلية كولومبيا للأعمال، جلين هوبارد، أن طلابَّه كانوا متشككين في الرأسمالية.

وفي عام 2019 قال نيتين نوريا، عميد كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد، إن التحدي الأكبر الذي يواجهه هو عدم الإيمان بالرأسمالية. وأخبرني العديد من الاقتصاديين الذين يقومون بالتدريس في أقسام الأعمال والاقتصاد أنهم يواجهون الموقف ذاته في صفوفهم.

وربما يرجع ذلك إلى تغير خصائص الطلاب العاديين. فكليات إدارة الأعمال تقبَل المزيد من النساء والمزيد من الطلاب الدوليين من البلدان ذات الميول اليسارية. وقد اعتادت كبريات كليات إدارة الأعمال أن تضم أشخاصاً يعملون في مجال التمويل والاستشارات، لكن الطلاب يتضمنون الآن أشخاصاً من خلفيات أقلَّ تقليديةً ممن عملوا في المؤسسات غير الربحية والحكومة.

ووصف أحد الأساتذة هذا التغير قائلاً: «كان هناك دائماً بعضُ الطلاب الذين يأتون إلى هنا ويريدون تغيير العالَم. قبل عشر سنوات، كانوا يأملون في القيام بذلك عن طريق جني الكثير من المال ثم التحول إلى محبين للخير. والآن يأتون من عالم المنظمات غير الحكومية ويريدون أخذ تلك المثل إلى الشركات الكبرى». وتشير البيانات الخاصة بالدارسين للحصول على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال بجامعة هارفارد، إلى أن العديد منهم ما زالوا يتمتعون بخلفيات عن العمل في الشؤون المالية والاستشارات والأسهم الخاصة مقارنةً بما كان عليه الحال قبل 10 سنوات.

وأخبرني أحد الأساتذة أنه يرى التغيير الأكبر في الطلاب القادمين من صناعة الاستشارات. وقد تعكس اتجاهاتهم كيفَ تطور هذا القطاع. عادةً ما كانت شركات الاستشارات الإدارية تشعر بالفخر لأن هدفها هو مساعدة الشركات على أن تصبح أكثر ربحيةً. والآن، تساعد هذه الشركاتُ على تطبيق رأسمالية أصحاب المصلحة، حيث تكون الأرباح أحياناً ثانويةً. أمضى الدارسون الشباب للحصول على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال سنوات من التخبط داخل بيئة لم يعد فيها الحماسُ للرأسمالية الجامحة عملا جيداً.

ويعتقد بعض طلاب الماجستير في إدارة الأعمال القادمين من العمل في مجال الاستشارات أن انتهاج طريقة مختلفة ليس ممكناً فحسب، بل هو أفضل. وتقدّم كلية هارفارد للأعمال صفاً يسمى «إعادة تصور الرأسمالية» يقوم بالتدريس فيه أستاذ محاسبة. لقد تحدثت إلى أحد الذين يصفون أنفسهم بالمشككين في الرأسمالية، وهو يستعد للالتحاق بكلية هارفارد للأعمال بعد أن بدأ حياتَه المهنية في الاستشارات ثم العمل في المالية. يقول إن خيبةَ أمله تأتي من رؤية كيف أصبحت الرأسمالية (أو كيف كانت دائماً) تتعلق بالحصول على أكبر قدر ممكن من القوة السوقية. إنه لا يدعم الاشتراكية، ولم أجد أي دارس للحصول على الماجستير في إدارة الأعمال يدعمها.

لكن ليس هناك الكثير ممن يطلقون على أنفسهم اسم الرأسماليين. أخبرني أحد الطلاب أنه حتى الطلاب الذين يعتنقون الرأسمالية يترددون في الاعتراف بهذا، بسبب الآثار السياسية. وعلى أقل تقدير، فإن المتشككين في الرأسمالية قلقون بشأن عدم المساواة. لقد أدهشني كل الحديث عن قوة السوق وعدم المساواة، لكن دون مناقشة المفاضلات التي قد تأتي مع تغيير النظام. على سبيل المثال، قد يعني المزيد من المساواة كذلك نمواً أقل وضرائبَ أعلى. أخبرني أحدُ الأساتذة أنه عندما أثار هذه النقطة، اعتقد بعضُ الطلاب أن النمو الأقل قد يكون شيئاً جيداً. إنهم يعتقدون أن النمو يؤدي بالضرورة إلى تدهور البيئة.

وأشار أحد المتقدمين للحصول على شهادة الماجستير في في إدارة الأعمال إلى أسعار الأدوية المرتفعة باعتبارها فشلا في العلامة التجارية الأميركية للرأسمالية. وعندما سألتُه عما إذا كان يَعتقد أن هذا قد يكون ثمن الابتكار، قال إنه يعتقد بأنه سيكون من الأفضل تقليل ابتكار الأدوية إذا كان ينقذ الناسَ من الإفلاس الطبي.الشيء الآخر الذي أدهشني هو الطلاب الذين رأوا أن الاقتصاد الرأسمالي بطبيعته بدون أي فائدة.

إذا أصبح شخص ما ثرياً، فلا بد أن يكون شخص آخرَ أكثر فقراً. إذا كان هناك المزيد من النمو، فلا بد أنه سيء لكوكبنا. لقد تعلمتُ شيئاً مختلفاً تماماً: أن الجميع يستفيد من زيادة الرخاء، حتى لو ارتقى البعض أكثر من الآخر. أصبح إيلون ماسك وجيف بيزوس أثرياءَ للغاية، لكنهما قامَا أيضاً ببناء أشياء جعلتنا جميعاً أفضلَ حالاً. وهذا النمو المستدام يأتي من المكاسب في الإنتاجية، وهذه الإنتاجية تشمل أيضاً تكنولوجيا أفضل وأكثر ملاءَمةً للبيئة.

لكن الطلاب الذين تحدثتُ معهم يساوون مستوى النجاح الذي حققه ماسك بمنافسة أقل ومزيد من الفساد. قد ينشأ الاختلاف في نظرتنا أيضاً من اختلاف تجربة الحياة. فأنا كبير بما يكفي لأتذكر الحرب الباردة. قد يكون لدى الأشخاص الأصغر سناً حماسة أقلَّ للرأسمالية لأن ذكرياتهم تهيمن عليها أحداث 11 سبتمبر والأزمة المالية واحتلال وول ستريت. أخبرَني أحدُ المشككين أنه لم يسمع قط دفاعاً جيداً وموثوقاً عن الرأسمالية. ربما يكون طلاب الماجستير في إدارة الأعمال اليومَ أكثرَ مثاليةً من الأشخاص العاديين، وقد تفاقمت اللامساواة خلال حياتهم، وهم قلقون للغاية حيال ذلك.

*كاتبة وزميلة بارزة بمعهد مانهاتن.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»