كانت الهند تسعى دائماً إلى تعميق العلاقات مع جنوب شرق آسيا من خلال سياسة «النظر شرقاً» التي أعيدت تسميتها باسم «العمل في الشرق» في عهد رئيس الوزراء ناريندرا مودي. لكن جنوب شرق آسيا اكتسب الآن أهمية إضافية وسط الأهمية المتزايدة لمنطقة المحيط الهادئ -الهندي وفي الوقت الذي تحاول فيه الهند تعزيز وجودها في المنطقة.

وتزايدت أهمية المشاركة بين الهند ورابطة دول جنوب شرق آسيا (المعروفة اختصاراً باسم آسيان) في الآونة الأخيرة. إذ تحرص معظم دول الآسيان على تنمية علاقات أوثق بين الهند والتجمع والضغط من أجل تكامل اقتصادي أكبر، وفي بعض الحالات تعاون أمني أيضاً. هذا في الأساس لأنهم يرون الهندَ قوةً موازنة جيدة مقابل الصين. وعلى هذه الخلفية، ينبغي الإشارة إلى الاجتماع الخاص الذي عُقد قبل أسبوعين بين الهند ووزراء خارجية جنوب شرق آسيا.

تعد رابطة آسيان كتلة إقليمية تضم 10 دول أعضاء، هي بروناي وكمبوديا وإندونيسيا ولاوس وماليزيا وتايلاند والفلبين وسنغافورة وميانمار وفيتنام. وقد مثل وزراء الخارجية ست دول في الاجتماع. وشارك وزير خارجية سنغافورة في رئاسة الاجتماع، حيث إن سنغافورة لعبت دوراً فعالاً في بناء العلاقات بين الهند ورابطة الآسيان وكانت حريصة على أن تلعب الهند دوراً أكبر مع الرابطة. ويصادف عام 2022 مرور 30 ​​عاماً على العلاقات بين الآسيان والهند، وقد تم تحديده باعتباره عام الصداقة بين دول الآسيان والهند من قبل القادة في أكتوبر 2021. وفي هذا الصدد، أشار وزير الشؤون الخارجية الهندي جايشانكار إلى أن «الهند تدعم تماماً آسيان قويةً وموحدةً ومزدهرةً، لها دور محوري في منطقة المحيطين الهندي والهادئ معترف بها بالكامل».

وتحدث الجانبان في الاجتماع عن تعزيز العلاقات على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا وكذلك تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، والذي يتوقع أن يكون له تأثير على المنطقة. لم يكن تأثير الحرب على أوكرانيا محسوساً في أوروبا فحسب، بل أيضاً بسبب التأثيرات على الغذاء وأمن الطاقة، ناهيك عن الأسمدة وأسعار السلع واضطرابات سلاسل التوريد. إن العقود الثلاثة الطويلة من العلاقة بين الهند والآسيان هي بالتأكيد اعتراف بأن هناك تقارباً في وجهات النظر بين نيودلهي والتجمع. لقد أصبحت الهند شريكاً قطاعياً لرابطة دول جنوب شرق آسيا في عام 1992، وشريكاً في الحوار في عام 1996، وشريكاً على مستوى القمة في عام 2002. وفي عام 2012، تم تطوير العلاقة إلى شراكة استراتيجية. هناك 30 آلية حوار بين الجانبين، تغطي مجموعةً كاملة من المجالات. في عام 2017، دعا رئيس الوزراء مودي جميع قادة الآسيان العشرة لحضور احتفالات يوم الجمهورية، والتي تشمل عرضاً سنوياً يستعرض القوة العسكرية والتنوع الثقافي للهند.

ويحاول رئيس الوزراء مودي ضخ طاقة جديدة في سياسة آسيا الهندية، مع التركيز بشكل أكبر على التواصل مع جيران الهند في شرق آسيا. وتسعى الهند إلى تعزيز العلاقات مع التجمع الذي سعى منذ فترة طويلة إلى دور أكبر للهند في المنطقة. وبصرف النظر عن سعي الهند إلى تعزيز العلاقات مع المجموعة، تعمل الهند أيضاً على تعزيز العلاقات الثنائية مع الدول الفردية، وسط تقارب المصالح وزيادة التركيز على منطقة الهند والمحيط الهادئ. وعلى سبيل المثال، سلَّمت الهندُ مؤخراً أكثرَ من 12 زورقاً للدوريات عالية السرعة إلى فيتنام، بعد يوم من توقيع اتفاقية تسمح باستخدام القواعد العسكرية لكل منهما، في توسع كبير للعلاقات الدفاعية والأمنية.

كما وقّع البلدان بيان رؤية حول العلاقات الدفاعية حتى عام 2030. وتأتي الاتفاقات في إطار رغبة الهند في تعزيز وجودها البحري في مناطق الهند والمحيط الهادئ وزيادة الروابط الدفاعية مع جنوب شرق آسيا. وهناك أيضاً مشاريع مختلفة قيد التنفيذ، بما في ذلك تطوير الطريق السريع بين الهند وميانمار وتايلاند. ومع ذلك، فإن التجارة والاقتصاد يمثلان أيضاً جانباً مهماً من جوانب العلاقة. بين عامي 2000 و2021، بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة التراكمية من دول رابطة الآسيان إلى الهند 117.88 مليار دولار. تم احتساب هذه القيمة بشكل رئيسي من خلال الاستثمارات السنغافورية في الهند (115 مليار دولار).

ومن ناحية أخرى، بلغت الاستثمارات الهندية في الآسيان خلال الفترة من أبريل 2019 حتى مارس 2022 نحو 55.5 مليار دولار، منها 51.5 مليار دولار للاستثمار في سنغافورة فقط. وبلغت التجارة بين الهند ومنطقة الآسيان أكثر من 78 مليار دولار في عام 2021. وتشمل الصادرات الرئيسية من الهند إلى دول الآسيان الحديد والصلب والأدوية والقطن والتبغ. من ناحية أخرى، تستورد الهند زيت النخيل والهواتف والسفن الخفيفة والفحم من دول الآسيان. ومع ذلك، فإن اجتماع وزراء الخارجية كان يهدف بوضوح إلى بناء الثقة بين الجانبين، خاصة بعد أن شهدت المنطقة اضطرابات مرتبطة بكوفيد وتأثيرات حرب أوكرانيا.

من الواضح أن هناك إمكانات كبيرة بين الجانبين. وقد سلطت الهند، والولايات المتحدة والأعضاء الآخرين، خلال منتدى الأمن الرباعي، الضوء على الدور المحوري الذي تلعبه دول رابطة الآسيان في مناطق الهند والمحيط الهادئ. لقد حدد الاجتماع بوضوح مسار التفاعلات المستقبلية والبناء على جدول الأعمال بين الجانبين.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي