يواجه القطاع الشُّرطي والأمني، اليوم، تحديات عالمية فرضتها التغيرات السريعة الناجمة عن التحولات التكنولوجية والثقافية والديمغرافية، وأصبح وضع استراتيجيات عمل شُرطية حديثة مطلبًا ملحًّا، بالتزامن مع اعتماد أدوات تكنولوجية متطورة قادرة على مَدّ العنصر البشري بالمعلومات والبيانات اللازمة لمواجهة الجريمة والحد منها، وتعزيز شعور الأفراد بالأمن والأمان.

وتنفيذًا لرؤية سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الرامية إلى تحقيق التقدم في العلم وتأهيل الكوادر الوطنية المتميزة، وتأكيد سموه على أهمية بناء الإنسان الإماراتي في جميع نواحي الحياة، ليكون قادرًا على تحمُّل أمانة الحفاظ على مسيرة الاتحاد والمسؤولية عنه، وتماشيًا مع قول سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، حين قال: «استثمارنا في الشباب هو روح نهضتنا، وأساس لمستقبلنا، والمحرك لمواكبة التطورات من حولنا»، فقد بات تأهيل شباب الوطن اليوم وإعداده للعمل في القطاع الأمني -وفقًا للمتغيرات المستجدة- أمرًا محتومًا، ولا سيَّما في ظل الأشكال الجديدة للجريمة، والتقنيات المستخدمة في تنفيذها واستدراج ضحاياها.

وفي ضوء ذلك اعتمدت القيادة العامة لشرطة دبي مشروع التحديث الاستراتيجي الشامل دعمًا لخطة الدولة في الخمسين عامًا المقبلة، الذي تقوده لجنة مختصة مكوَّنة من عناصر مواطنة شابة، مسؤوليتها وضع الاستراتيجية المستقبلية. ويواكب المشروع المتغيرات والتحديات التي يشهدها العالم، مثل التوسُّع العمراني، والثورة الصناعية الرابعة، وتطبيق أنظمة الذكاء الاصطناعي، والتغيرات الإقليمية والاقتصادية، والتعاملات الرقمية، وتحولات ما بعد جائحة «كورونا».

وطرحت أكاديمية شرطة دبي قبل أربع سنوات تخصُّص العلوم الأمنية والجنائية، واحتفلت مع بداية العام الجديد بتخريج الدفعة الأولى، إلى جانب ابتعاث منتسبي شرطة دبي داخل الدولة وخارجها إلى جامعات مرموقة عالميًّا للالتحاق بتخصصات نوعية في مجالات الذكاء الاصطناعي، والعملات الرقمية، وتسيير طائرات من دون طيار، والأنماط الظاهرية للحمض النووي، وبصمة الذاكرة، والاستعراف الوراثي في مجال الأدلة الجنائية «الجينوم»، والجرائم الإلكترونية، والمرونة، وغيرها من الدراسات المرتبطة بالعمل الشرطي.

واليوم بات من الضروري الدخول في سباق تسلُّح معرفي وتكنولوجي لمواجهة المجرمين، سواء من حيث المعرفة أو امتلاك الأدوات، وذلك في ظل استغلال المجرمين الأدوات التكنولوجية في تنفيذ جرائمهم المنظمة والناشئة والعابرة للحدود، ومنها أسواق «الويب» المظلمة التي يلجؤون إليها للاتجار بالمخدرات والبشر، وجرائم غَسْل الأموال، فالمواجهة لم تعُدْ تتطلب توافر التكنولوجيا فحسب، بل امتلاك المهارة والمعرفة اللازمتَيْن لاستخدامها في مكافحة الجريمة، ودفع العناصر الشرطية والأمنية إلى البحث عن مفاهيم جديدة لتتبع الأنشطة الإجرامية والمالية.

وبناءً على ما تَقدَّم يُمثّل تأهيل الجيل المقبل من ضباط الشرطة والأمن وإعدادهم وتدريبهم تحديًا كبيرًا وتوجهًا محتومًا، مع الأخذ في الحسبان أن امتلاك المعرفة والمهارة والقدرة على استخدام التكنولوجيا ليس كافيًا وحده، فلا بدَّ من العمل به جنبًا إلى جنب مع تمتُّع ضباط الشرطة والأمن بالحدس البشري، في حين أن الجمع بين هذين الأمرين بكفاءة وقوة سيزيد قدرة أجهزة الأمن وإنفاذ القانون على مجابهة التحديات الأمنية الجديدة، ومحاربة الأساليب المستحدَثة في عالم الجريمة، وصولًا إلى تحقيق أقصى درجات الأمن محليًّا وعالميًّا.

معالي الفريق/ عبدالله المري*

 *القائد العام لشرطة دبي.