يأوي أحمد شاه جمشيدي وعائلته إلى الفراش كل ليلة جياعاً. وهذا ليس بسبب نقص الإمدادات الغذائية، بل لأنهم لا يملكون فحسب تكلفة ما يسد رمقهم. وجمشيدي (42 عاما) فقد وظيفته كحارس أمن بعد خفض المساعدات الذي أدى إلى شل الاقتصاد. ويؤكد أنه كان فقيراً قبل استيلاء «طالبان» على السلطة، لكنه أصبح الآن لا يجد قوته. وكانت قريته «دزواري» الواقعة في غرب أفغانستان وسط الجبال خارج هرات قد عانت بالفعل سنوات من الجفاف، مما أجبر معظم المزارعين على بيع الماشية، والبحث عن عمل في البلدات والمدن المجاورة. وبالمثل، تتعرض أرواح الملايين في جميع أنحاء البلاد للخطر.
وذكرت أحدث بيانات للأمم المتحدة أن سوء التغذية يتفاقم لدى الأطفال، ونحو نصف الأفغان لا يجدون ما يسدون به رمقهم. ومن هؤلاء عائلة جمشيدي المكونة منه وزوجته وأطفالهما السبعة. ويقترض جمشيدي المال من أصحاب المتاجر لشراء سلع يتصاعد سعرها باستمرار مثل البطاطس وزيت الطهي الذي تستخدمه زوجته لإعداد الوجبة الرئيسية للعائلة وهي عبارة عن حساء صائت. ويصف جمشيدي أن الأطفال يبكون جوعاً في بعض الليالي، وأنهم أحياناً لا يكون لديهم إلا الخبز والشاي، و«حين ينفد الشاي أجمع العشب لغليه في الماء.

وتتفاقم الأزمة الإنسانية في أفغانستان منذ عقود، ليس فقط بسبب الفقر المقيم وقلة الأمطار، لكن أيضا بسبب عقود من الحرب والاقتصاد الذي يعتمد بالكامل تقريبا ًعلى الدعم الدولي. إلا أن قرار إدارة بايدن بوقف المساعدات رداً على سيطرة «طالبان» على السلطة هو ما وضع البلاد على شفا كارثة. وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحفيين بعد سقوط كابول «لن يذهب سنت آخر إلى حكومة أفغانستان التي لا تحترم حقوق الإنسان الأساسية». 

ورفض وزارة الخارجية الأميركية الاعتراف بـ«طالبان» جعل من المستحيل على حكام البلاد الجدد الحصول إلى مليارات الدولارات من الأصول الأجنبية. وأدت تحركات موازية من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي إلى انهيار الاقتصاد الأفغاني. ومع اقتراب فصل الشتاء وتحذير جماعات للمساعدات الإنسانية من مجاعة، تعرضت إدارة بايدن لضغوط متزايدة لمنع وقوع كارثة. وفي الأشهر القليلة الماضية، بدأت الولايات المتحدة ودول أخرى تحويل أموال من خلال الأمم المتحدة وجماعات متخطية قيادة طالبان. لكن مئات الملايين من الدولارات من المساعدات الدولية هذه ليست إلا جزءاً صغيراً من المليارات التي كانت تحفظ البلاد من الوقوع في كارثة. وعزل أفغانستان اقتصاديا لم يؤثر في تشدد حكم طالبان، لكن العواقب مدمرة على الشعب الأفغاني، وخاصة الفقراء. 

وفقد لال محمد، جار جمشيدي في دزواري، وظيفته كعامل بالمياومة بعد انسحاب الولايات المتحدة. واستمات في أربع محاولات لعبور الحدود بشكل غير قانوني إلى إيران للحصول على عمل. لكن قوات حرس الحدود ضربوه وأعادوه من حيث أتى. ولجأ الرجل البالغ من العمر 65 عاما مع أبنائه إلى زراعة ما يقتاتون عليه. لكن القوت الذي تحصل عليه أسرة محمد كلها، ومنهم ابنة حبلى، أقل من أن يكفيهم. واشتكت الابنة نور بيبي البالغة من العمر 30 عاماً، وهي أم لطفلين من ضعفها. ويريد محمد نقلها للطبيب، لكنه لا يستطيع توفير دولارين ثمنا لسيارة أجرة. 
وعلى الرغم من أن أفغانستان قد تجنبت المجاعة، على الأقل في الوقت الحالي، ظل اقتصادها في حالة يرثى لها، ولا يعلن المجتمع الدولي ولا طالبان تحملهم مسؤولية أزمة الجوع. وذكر مسؤول أميركي كبير اشترط عدم الكشف عن هويته، أن «هذه معضلة كبيرة لواضعي السياسات. لا يوجد حل سهل، مثل مجرد إعادة فتح الصنابير»، في إشارة إلى مليارات الدولارات من المساعدات التي تدفقت على البلاد على مدى العقدين الماضيين. وأضاف «الوضع الإنساني مازال يمثل التزاماً محورياً ومحركاً لصنع السياسة الأميركية، (لكن) المسؤولية تقع بشكل متزايد على عاتق طالبان». 

وأعلنت إدارة بايدن أنه يتعين على طالبان تشكيل حكومة احتوائية وضمان حقوق الأقليات والنساء إذا أرادت الحصول على اعتراف من المجتمع الدولي. وردت الجماعة بقمع المعارضة وإغلاق مدارس الفتيات وفرض زي متزمت على النساء. وصرح وزير الخارجية بالوكالة أمير خان متقي لواشنطن بوست أن «معركتنا ضد الغزاة كانت لتحرير أفغانستان من الاحتلال وإقرار الشريعة الإسلامية. ولن يتغير موقفنا«. وردا على سؤال حول أخذ الجماعة بتأويل أقل تشددا للشريعة الإسلامية مقابل الحصول على إعانات إنسانية، أعرب متقي عن استيائه قائلا»في الماضي قُتل أهلنا في قصف ومداهمات. فهل تعتقدون أن ذلك كان أفضل؟». 

وهرب آلاف العائلات الأفغانية من الريف لتواجه حرمان أكبر في المدن. فقد ضاع مصدر رزق محمد عزام يعقوب بعد أن دمرت اشتباكات بين طالبان وقوات الحكومة الأفغانية مزرعته الصيف الماضي. وبسبب الافتقار للأموال لإعادة البناء في قريته أو لإعالة أسرته، أنفق مدخراته لنقلهم إلى هرات. واعتقد يعقوب أنه إذا لم يعثر على عمل سيجد مساعدة من جماعات الإغاثة «لكننا لم نجد أي شيء». 

ويعيش يعوب الآن في مخيم على أطراف المدينة، وأطفاله يستجدون الطعام من الناس. ويتم إرسال أطفال آخرين من المخيم، بعضهم لا تتجاوز أعمارهم أربع أو خمس سنوات، إلى هرات لمسح الأحذية وليحصدوا أقل من دولار واحد في اليوم لتنفقه أسرهم على الطعام. واعترف نائب وزير طالبان لشؤون اللاجئين والعودة إلى الوطن بأن المساعدة التي تقدمها الوزارة للعائلات النازحة «غير كافية» لكنه ألقى باللوم على المجتمع الدولي. 
وجناح سوء التغذية في مستشفى الأطفال الرئيسي في كابول مزدحم بالحالات منذ شهور، ويتقاسم بعض الأطفال الأسرة. ولا يوجد عدد كاف من الممرضات لرعاية الجميع، ولذا يتولى أفراد من الأسر مهمة تشغيل أجهزة طبية دقيقة مثل أنابيب التغذية. واضطرت مدينة نوري لقطع أكثر من 250 ميلاً من مزار الشريف للحصول على مساعدة لابنتها سحر التي ولدت بعد فترة وجيزة من سيطرة طالبان. وحين نقلتها نوري إلى المستشفى، كانت حالتها شديدة التدهور. وحتى بعد أسبوع من العلاج، لم تتحسن سحر. وينفد سريعا ما لدى نوري من مال. وتنام نوري ووالدتها على أرضية المستشفى بجانب سرير سحر لأنهما لا تستطيعان تحمل نفقات مكان للإقامة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»