في الحلقة السابقة من مسلسل «إيلون»، سارع صاحبنا إلى توقيع صفقة بقيمة 44 مليار دولار لشراء شركة «تويتر» بالضبط قبل أن ينصرف الناس عن أسهم شركات التكنولوجيا، بما في ذلك أسهم شركته. ليس التوقيت الأفضل لمثل هذه الصفقة بكل تأكيد، ولكن لا داعي للقلق، لأن لدى إيلون دائماً مخرجاً. 
وهذه المرة، المخرج هو حسابات الروبوت. فقد كان القضاء على الحسابات الآلية الوهمية التي يعاني منها تويتر إحدى أفكاره لإرباك الشركة: «سوف أقضي على حسابات الروبوتات أو أموت وأنا أحاول!». هكذا قال متعهداً. 
حسناً، خطة حرب جديدة تقوم على التلويح بالانسحاب! شركة تويتر تقول إن حسابات الروبوتات لا تشكل سوى أقل من 5% من جمهور مستخدميها، ولكن ماذا لو كانت هناك حسابات آلية وهمية أكثر بكثير مما كنا نعتقد؟ ألا يمكن أن يكون 20% من مستخدمي تويتر، مثلاً، عبارة عن حسابات روبوتات؟ وربما أكثر من ذلك! ثم ماذا لو كانت شركة تويتر تبلّغ «لجنة الأوراق المالية والبورصات» بأرقام أقل من الواقع؟ هذا ما يفسّر خطة إيلون الجديدة: إذا لم تستطع شركة تويتر تأكيد حسابات الروبوتات من غيرها، فإن الصفقة ستسقط. 
ولكن، مهلاً، أليست مسؤولية إيلون أن يطلب هذا النوع من البيانات الداخلية أثناء التفاوض حول الصفقة – وهو شيء لم يفعله تحديداً، وفق تويتر؟ ثم، ألم يوقع عقداً يجبره على دفع رسم قدره مليار دولار – وربما مليارات أكثر – في حال انهار الاتفاق؟ فكيف يمكنه أن يخرج من هذه المشكلة؟
لا أحد يعرف. ولكن أراهن أنكم ستتابعون الأخبار لمعرفة الجواب. والأرجح أنه لن يكون هناك مفر من متابعة سلوك ماسك، ولن تكون لديك فرصة للتوقف عن المتابعة. وربما يكون ذلك تحديداً هو الهدف.
الأمر بالنسبة لماسك يتلخص في الارتجال، إذ يبدو أنه يتصرف تحت تأثير الاندفاع والعواطف، بدون منطق واضح أو انسجام أو حتى هدف بديهي. غير أنه بغض النظر عن الأشياء التي سيفعلها ماسك، هناك شيء يمكنك أن تعوّل عليه: إنك ستسمع عنه. إذ سيظهر في عناوين الأخبار، وعلى شاشة حاسوبك، وفي الأخبار التي تصلك على منصات التواصل الاجتماعي. وسيناقشه المعلّقون على القنوات التلفزيونية، ويحلله كتّاب الرأي على صفحات الجرائد، ويدلي حوله الرؤساء بتصريحات طريفة. 
قدرة ماسك على جذب انتباه العالم قد تكون مهمة لإمبراطورتيه مثل أي ابتكار في البطاريات، والألواح الشمسية، ومحركات الصواريخ، وآلات حفر الأنفاق. والواقع أن العديد من هذه الابتكارات التكنولوجية كانت ممكنة بفضل الحيل الإعلامية التي يستخدمها ماسك مراراً وتكراراً. أولاً، اعطِ وعداً كبيراً، قد يبدو مستحيلاً أحياناً. بعد ذلك، جِد طريقة ما لتحويل الانتباه الناتج عن ذلك نحو زبائن جدد أو مستثمرين أو معجبين. ثم كرر العملية. أحياناً ينجح كلامه الكبير، غير أنه نادراً ما يبدو الأمر مهماً في حال لم تتحقق الوعود أبداً. وعلى كل حال، فإن عدم تحقيق ما وعدت به لا يزيد الدراما إلا تشويقاً، ومع ماسك، الدراما هي الهدف. 
ماسك صوّر خطته الخاصة بالتسويق والقائمة على شخص واحد بأنها طريقة للإبقاء على التكاليف منخفضة. فخلافاً لأي شركة سيارات أخرى تقريباً، فإن تيسلا لا تنشر إعلانات. ففي 2020، أغلق ماسك قسم العلاقات العامة في الشركة. ولم تعد تيسلا تجيب على أسئلة الصحافيين واستفساراتهم. ولكنها ليست في حاجة لذلك، لأنه ما على الصحافيين وأي شخص آخر إلا أن يسألوا ماسك أسئلتهم بشكل مباشر على تويتر. 
ولكنني أشك في أن يكون تقليص التكاليف الدافع الوحيد وراء سعي ماسك المستمر وراء الانتباه. ومن الواضح أن طريقته ناجحة وفعّالة. ولنتأمل هنا الطريقة التي روّج بها ماسك للمركبة الكهربائية الرخيصة التي وعد بها أول مرة ضمن «الخطة الكبيرة السرية لسيارات تيسلا» في 2006. فقد أعطى الوعد في 2006 – سنوات قبل أن تكون لدى تيسلا أي طريقة ممكنة لصنع مثل هذه المركبة. ولكن لا يهم، فالمعجبون أُعجبوا بها وانتظروا. واستغرق الأمر 8 سنوات قبل أن يضيف ماسك بعض التفاصيل: ففي 2014، كشف أن السيارة ستسمى «مودل 3» وقال إن سعرها سيناهز 35 ألف دولار. وبعد عامين على ذلك، كشف الستار أخيراً عن نماذج المركبة وبدأ يتلقى طلبيات. ودفع مئات الآلاف من الأشخاص 1000 دولار لكل واحد منهم من أجل الحصول على مكان في الطابور من أجل سيارة قال ماسك إنه «واثق إلى حد ما» بأنها ستطرح في السوق في 2017. وكان ضمن عناوين الأخبار، ولكن بالكاد. وقامت تيسلا بتسليم أقل من 2000 سيارة من طراز «مودل 3» في 2017، ولكن لا مركبة مقابل سعر 35 ألف دولار الموعود. فالسيارات التي تم تسليمها كانت من الفئة الفاخرة، نسخة الـ49 ألف دولار. 
أما تيسلا التي يبلغ سعرها 35 ألف دولار، فلم تصل إلا في 2019. أي 13 عاماً بعد المرة الأولى التي تحدث فيها ماسك عنها، و5 سنوات بعد أن أعطاها اسماً، و3 سنوات بعد أن شرع في تلقي طلبيات بشأنها. في ذلك الوقت، ألغى بعض الأشخاص طلبياتهم. ولكن معظم الناس لم يفعلوا، وخلال تلك السنوات، واصل ماسك إلقاء فتات الخبز مثيراً مزيداً من التشويق وجاذباً انتباه الناس حول الجهد الكبير الذي تبذله تيسلا في العمل على السيارة، مقيداً المعجبين في الأثناء. وقال إنه لا ينام ليلاً، وينام على مكتبه، ويكافح «تعقيدات الإنتاج». ونجحت الخطة: إذ تشبث الزبائن بـ«مودل 3»، الذي يُعد السيارة الكهربائية الأكثر مبيعاً في العالم. كما أن السعر لم يعد 35 ألف دولار، إذ رفعته «تيسلا» إلى حوالي 48 ألف دولار. 
وقد تلاحظ أن أسلوب عمل ماسك يشبه كثيراً أسلوب رئيس سابق. فعلى غرار دونالد ترامب، لن تعرف أبداً متى يقصد ماسك حقاً ما يقوله أو ما إن كان يسعى فقط وراء الانتباه الذي يتوق إليه مثلما تتوق النباتات إلى ضوء الشمس. لا أحد يعرف ما يريد أن يفعله مع تويتر؟ وربما حتى هو لا يعرف. ولهذا سنواصل المتابعة. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»