لمن ستكون الغلبة في حرب باتت تقض مضجع العالَم؟ لعل أول الدروس المستفادة من هذه الحرب بالنسبة لنا في الشرق الأوسط هو أن الرهان على الغرب خاسر، وأن الديمقراطية التي يتغنون بها ويعاقبون غيرهم إن هو لم يأخذ بها حسب وصفتهم، لا يتّبعون مبادئها في واقع معاملتهم للآخر، بل هي بالنسبة لهم مجرد صنم من تمر، متى شعروا بالجوع اتخذوه وجبةً خفيفةً سريعةً، دون أدنى شعور بوخز الضمير! كل التناقضات إذن تجدها هناك، وبعضها على لسان حال إعلامهم الذي يعتبر أن الأوكراني الأشقر لا بد أن يعيش حياةً كريمةً، لأنه يشبههم ولا يشبه السوري والعراقي والأفغاني! لقد كان الشرق الأوسط هو ساحة الحروب، البارد منها والساخن، طوال العقود الماضية.

واليوم أصبحت أوروبا ذاتها مسرحاً آخر للحروب، فكيف لهم أن يتعايشوا مع مقولة أن الأشقر يقتل إن شنت عليه حرب أو يتحول إلى لاجئ! ليس غريباً عليهم أبداً إعلانٌ من ذلك النوع، وهو يكشف ازدواجيتَهم، لكنه يعزز المناعة ضد ضغوطهم واشتراطاتهم، لاسيما وقد سقطت أقنعةٌ وتهاوى نظام أخلاقي بكامله ليكشف زيف شعارات أصحابه.

وإن كان لهذه الحرب أهمية فهي كونها توضّح بجلاء تام أنهم لا يختلفون أبداً عن الأنظمة الأخرى التي طالما عابوها واتهموها بالديكتاتورية والاستبداد. إن الشعوب بالضرورة تدفع ثمن مناكفات حكوماتها، لكن هذه الحكومات اختارتها الشعوبُ ذاتُها، وهذه الأخيرة بسبب اختياراتها تفقد فرص العمل التي ضاعت على مواطنيها وذهبت للاجئ الأوكراني قليل الأجر مقارنةً بمُواطِن دول الاتحاد الأوروبي. ولعل أحداً لم يَسلم من عواقب الفتنة السورية، بعد ما تسبب الجميع في تدمير الجامعات والمستشفيات والأحياء والمدن السورية.

لا أحد سلم من لعنة الأبرياء العزَّل حتى ولو امتلك أعظم ترسانة عسكرية. الحرب الدائرة رحاها الآن هي فرصة للجميع من أجل مراجعةِ كثير من القضايا العالقة. وأكاد أزعم الآن أن الغرب الذي طالما نظرنا إليه باعتباره الجنة التي وعد الله بها المؤمنين، ما هو إلا فِناء خلْفي لأوهام وكوابيس تقض مضجع أحلام شعوب الدول النامية منذ إعلان استقلالها. لا يوجد إلا أوهام وتمثلات صنعها الخيال ومررتها الآلة الإعلامية، لا أكثر ولا أقل!

*كاتبة إماراتية