عادةً ما يظهر الاهتمام بالثقافة درجة تطور الأمم وقدرتها على النهوض والتقدم، فما بالك بالاهتمام بالكتب والطباعة والتأليف وتشجيع ذلك، وإقامة المعارض الكبرى التي تفتح المجال للمؤلفين ودور النشر على تقديم نفائسهم من المطبوعات والكتب، هذا بالضبط ما يحدث في أبوظبي حيث الاهتمام الكبير بمعارض الكتاب التي تقام كل سنة، وهنا أتحدث عن عدة معارض كمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، ومعرض الشارقة الدولي للكتاب، وأيضاً معرض بيج باد وولف بدبي، ومعارض أخرى كمعرض الكتاب المستعمل في دبي، ومعرض الكتاب الإماراتي، ومبادرة دبي تقرأ..

أما في مجال الجوائز الثقافية فحدث ولا حرج عن جوائز راقية حققت سمعة عربية ودولية منقطعة النظير، وأهمها جائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة الشارقة للإبداع العربي، وجائزة دبي الثقافية، والجائزة العالمية للرواية العربية، وغيرها الكثير من الجوائز والمبادرات الثقافية التي لن تتسع هذه المقالة لحصرها، وكل ذلك يدل على مكانة الإمارات ودورها الكبير في نشر الثقافة وتعزيز مكانة الكتاب داخل الدولة وخارجها.

حقق معرض أبوظبي للكتاب هذه السنة مشاركةً كبيرةً، حيث شارك فيه 1130 ناشراً من 80 دولة، ويشمل 450 فعالية، ومشاركة واسعة من الأكاديميين والمفكرين والكتاب، وحضور جماهيري واسع، أما عن النخبة الثقافية التي حضرت فلا بد من الإشارة إلى حضور الشاعر أدونيس بما يمثله من قيمة أدبية كبيرة، ليناقش في محاضرة واقع الشعر العربي وتحديداً القصيدة وعلاقتها بالقصائد العالمية وارتباط الحب بالشعر، وكذلك نخبة من المثقفين والأدباء العرب في معرض جاء مباشرةً بعد جائحة شلّت الحراك الثقافي كما باقي المجالات، ليؤكد البشرُ أن التلاقي والتواصل هو جزء من طبيعتنا التي لا يمكن أن نبتعد عنها ومن ضمنها أيضاً رغبتنا بالتعبير عبر الأدب والشعر والتأليف كما شغفنا بالقراءة والاطلاع على مكنونات الآخر.

وللعام الثاني على التوالي تشارك ألمانيا كضيف شرف في معرض أبوظبي لتؤكد أن المعرض تجاوز المساحة العربية ليكون بحق معرضاً عالمياً يشارك فيه ناشرون من دول عدة، حيث حفل المعرض بفعاليات تقدم عشرات المؤلفين الألمان، فلا حدود لغوية للثقافة والفنون، فهي بحد ذاتها لغة يفهما الجميع، وبالنسبة للكتاب حصراً فقد وفرت الترجمات القدرة على نقل ثقافة الدول والشعوب وبذلك وصلنا أهم المؤلفات، وحديثاً أصبح من شروط انتشار الكاتب أن يترجم مؤلفاته لينقلها إلى متلقين من مختلف الدول.

واللافت أيضاً في معرض هذا العام المشاركة بنوادر الكتب والمؤلفات، حتى إن أحد تلك الكتب عرض للبيع بأكثر من 11 مليون درهم، وهو كتاب يعود لمنتصف القرن الـ16 ويحتوى صوراً لأنواع طيور نادرة، كما عرضت مخطوطات قديمة وقيّمة.

أما الحدث الأبرز في المعرض فهو جائزة الشيخ زايد للكتاب التي تؤكد أن ليس للثقافة حدود، فقد شارك في هذه الجائزة العالمية أكثر من 3000 كاتب من 55 دولة.

ويكفي أن نعلم أن المشاركين من 20 دولة عربية و35 دولة أجنبية، لنعود إلى تلك الأهمية الكبرى للثقافة العابرة للحدود واللغات، فالكتب أصبحت متوفرة بجميع اللغات ولا مجال للحد من انتشار القيم منها إلى دول العالم قاطبة. موضوع آخر لافت خلال معرض هذا العام، هو الإقبال على الكتاب المطبوع في عصر أصبح الحديث يدور حول انتهاء عصر الطباعة، خاصةً أن المنصات الإلكترونية أصبحت متاحةً بوفرة وسهلة التداول، فلا حاجة للبحث عن كتاب مطبوع في المكتبات، يكفي التسوق من أي متجر كتب إلكتروني لتجد ضالتَك، لكن الجدلية ما تزال حاضرة أيهما تفضل الكتاب المطبوع أم الإلكتروني وهل سنتخلى يوماً عن المطبوعات؟

*كاتب إماراتي