جعل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي من التواصل والانفتاح على الجوار جزءاً محورياً من سياسة الهند الخارجية. ويبدو أن هذه الدبلوماسية بدأت تحصل الآن على دفعة متجددة وتوجد في مرحلة جديدة في وقت تشهد فيه العلاقات مع جيرانها، باستثناء باكستان، مساراً تصاعدياً. 
وقد كثّفت الهندُ تواصلَها مع المنطقة، مستفيدةً في ذلك من وصول حكومات أكثر وديةً إلى السلطة، تؤيد تحسين علاقاتها مع نيودلهي. وفي هذا الإطار، عمّقت الهند علاقاتِها الأمنية مع المالديف التي تعمل معها حالياً على تنويع مجالات التعاون لتشمل مجالات مثل إنفاذ القانون، حيث سلّمتها مؤخراً نظام رادار ساحلي. كما كثّفت تعاونَها مع سريلانكا من أجل مساعدتها خلال أسوء أزمة اقتصادية تشهدها منذ حصولها على الاستقلال.
وكشف رئيسُ الوزراء مودي النقابَ عن بعض الدبلوماسية الثقافية مع النيبال خلال زيارة قام بها إلى هذا البلد مؤخراً، حيث وصف علاقات الهند مع النيبال بأنها «راسخة رسوخ جبال الهيمالايا»، وسط ما تعتبره الهندُ فرصةً لإصلاح العلاقات مع النيبال تحت حكومة رئيس الوزراء الجديد شير بهادور ديوبا، الذي وصل إلى السلطة العام الماضي. وكان الحضور الصيني في النيبال خلال السنوات القليلة الماضية في ازدياد، ولهذا تحاول الهند تسليط الضوء على روابطها الثقافية والحضرية مع النيبال من أجل إبراز مكانتها الفريدة في جنوب آسيا كأكبر بلد في المنطقة. 
ورغم أن النيبال والصين ما زالتا تربطهما علاقات وثيقة، وأن اعتماد كاثماندو على بكين لن يتراجع قريباً، فإن الهندَ تسعى لضمان أن تكون علاقاتها مع النيبال، التي شهدت توتراً في ظل الحكومة النيبالية السابقة، مبنيةً على أرضية صلبة وقوية. وفي هذا السياق، زار مودي النيبال مؤخراً من أجل إرساء أسس مشروع مركز الهند الدولي للثقافة والتراث البوذي. وهي زيارةٌ أبرزت أيضاً جهودَ الهند لدعم البنية التحتية النيبالية من خلال مذكرة تفاهم تتعلق بتطوير مشروع للطاقة الكهرومائية تبلغ طاقته 490 ميغاوات في النيبال، وسط وعد بتعميق التعاون في مجال الطاقة التي تُعد دافعاً رئيسياً في العلاقات. 
وشهدت العلاقات بين النيبال والهند الكثيرَ من المد والجزر، لاسيما في ضوء سعي النيبال إلى وقف اعتمادها على الهند منذ عام 2016 حينما أدى حصار للمعابر الحدودية الرئيسية مع العملاق الآسيوي إلى نقص في الوقود والأدوية وغيرها من المواد الأساسية. ومنذ ذلك الحين، كثّفت الصين بشكل مهم حضورها في النيبال. وإذا كان الاستثمار الصيني ما زال منقطع النظير، فإن كاثماندو كانت حذرةً بخصوص المضي قدماً في «مبادرة الحزام والطريق» الصينية بخصوص تطوير البنية التحتية المحلية بعد الانضمام إلى المبادرة في عام 2017. 
ونتيجة لذلك، عُلِّق إكمالُ اتفاقية تنفيذ مبادرة «مبادرة الحزام والطريق» في وقت ضغطت فيه كاثماندو من أجل الحصول على منحة بدلا من قروض، ما يشير إلى درجة معينة من الحذر. وسط كل هذا، كانت هناك فرصة للهند لكي تكثّف تواصلها مع الجوار. وفي النيبال، هناك الكثير من الإمكانيات من أجل تعزيز العلاقات وطي صفحة المنغصات السابقة. وينظر إلى هذا باعتباره مرحلة أخرى من جهود الهند في جوارها. 
وبالمثل، قدّمت الهند أيضاً المساعدةَ لسريلانكا التي تجتاز أزمة اقتصاديةً عميقةً. ويُنظر إلى هذا الأمر أيضاً على أنه يبعث برسالة إلى باقي بلدان جنوب آسيا مفادها أنه حينما تكون هناك حاجة للمساعدة، فإن الهند لن تتأخر في تقديمها. فبالنسبة لسريلانكا، قدّمت الهند أكثر من ثلاث مليارات دولار من المساعدة، تشمل تبادل العملات وخطوط ائتمان في وقت وقعت فيه هذه الدولة-الجزيرة في أزمة اقتصادية حادة بسبب انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي، ما أدى إلى عجزها عن تسديد ثمن وارداتها من المواد الأساسية كالغذاء والنفط. كما وافقت الهند على إرجاء تسديد ملياري دولار مستحقة لها على سيرلانكا من خلال «اتحاد المقاصة الآسيوي». وقدّمت لها المساعدة بخصوص بعض المواد الأساسية مثل الوقود. وهي مساعدة عادت عليها ببعض الفوائد، حيث ألغت سريلانكا مشروعاً صينياً للطاقة المائية عقب اعتراض نيودلهي عليه بسبب قربه الشديد من الهند. كما تعتمد سريلانكا بشكل متزايد على الهند في تأمين مواد أساسية بسبب الأزمة الاقتصادية التي تُعزى إلى نفاد الاحتياطيات الحكومية، والدين الخارجي، وانخفاض التحويلات الأجنبية. 
وفضلا عن ذلك، أدت حرب أوكرانيا، التي ساهمت في التضخم عبر العالم وتسببت في ارتفاع أسعار الوقود والغذاء، إلى مفاقمة مشاكل البلاد. وهي مشاكل كان تأثيرها أقوى على الناس العاديين الذين وجدوا أنفسهم فجأةً يعانون من نقص في كل شيء. كل هذا أدى إلى نقص العملة الأجنبية، ما يعني أنه لم يعد هناك مال لاستيراد المواد الأساسية، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار. 
وبالمثل، ولئن فرضت الهند حظراً على صادرات القمح مؤخرا، فقد أعلنت استعدادها للقيام باستثناءات بالنسبة للجوار. وفي هذا الإطار، كانت علاقات الهند مع بنغلاديش دائماً في مسار تصاعدي، وهذا أدى إلى فوائد كثيرة بالنسبة للهند، بما في ذلك الحصول على حقوق العبور من البر الرئيسي للهند إلى ولاياتها الشمالية. 

وكل ذلك يعني أن الهندَ تجتاز مرحلةً متجددةً من سياسة الجوار.

رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي