عندما أُعلن الخبر المحزن وفاة المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، تواردت إلى الذهن بصورة تلقائية ما تحقق من تقدم ارتبط بعهده، كما تبادرت بعض المواقف والصور المعبرة، كصورة شاب يمد ذراعه للتبرع بالدم لمداواة الجرحى العرب أثناء حرب أكتوبر 1973، لقد كان ذلك الشاب هو الشيخ خليفة بن زايد الذي تقدم الصفوف لدعم حملة التبرع ليس بالمال فحسب، وإنما بكافة أشكال الدعم، تلك الصورة تجسد أيضاً وتوضح التضحيات التي قدمها أبناء الإمارات في أكثر من مناسبة، كتحرير الكويت وحماية اليمن ومنطقة الخليج والعالم العربي من العابثين والطامعين.
وعكس ذلك أيضاً شخصية القائد القادم لدولة الإمارات، وهو ما أثبتته السنوات التالية، فقد حمل خليفة المسؤولية من المؤسس بكل صدقٍ وإخلاص وتفانٍ في العمل، فاقتصادياً تضاعف الناتج المحلي الإجمالي للدولة أكثر من ثلاث مرات ليبلغ 400 مليار دولار للدولة، لتحتل مرتبة متقدمة ليس في محيطها الإقليمي، وإنما على المستوى العالمي، مع تغير هيكلي مهم شكلت فيه القطاعات غير النفطية 70%، وبعد أن كانت الإمارات مركزاً تجارياً إقليمياً، تحولت أيضاً إلى مركز عالمي للنقل والاتصالات، ومركز مالي عالمي، كما اكتسبت بعداً إنسانياً إضافياً بعدما تحولت إلى المركز العالمي الأول في الإمدادات الغذائية والطبية الإنسانية، والتي أنقذت وما زالت تنقذ أرواح ملايين البشر الذين تعرضوا للكوارث والحروب والمجاعات.
وفي هذا الصدد، قاد المغفور له الشيخ خليفة مرحلة التمكين بمساندة ودعم ولي عهده وإخوانه حكام الإمارات الذين أضافوا إلى هذا التوجه وساندوه بكل قوة، مما حوّل الإمارات إلى نموذجٍ تنموي بطابع عالمي واقتصاد أكثر تنوعاً وديناميكية لتصطف إلى جانب أكثر تجارب العالم التنموية نجاحاً، حيث وجد ذلك له انعكاسات على حياة المواطنين والمقيمين ومستوياتهم المعيشية فتضاعف دخل الفرد من الناتج المحلي، ليأتي حالياً ضمن المراتب الأولى عالمياً، متجاوزاً دول عريقة وكبيرة وغنية.
لقد سار خليفة بثقة ضمن النهج الذي وضعه زايد، وهو نهج تنموي وإنساني فريد، فالاهتمام لم يقتصر على الجوانب التنموية والإنسانية المحلية، وإنما شمل مساعدات للشعوب كافة، بغض النظر عن أصولها وانتماءاتها وديانتها، فواصلت الإمارات تنفيذ المئات من المشاريع في مختلف الدول، وقاد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، عندما كان ولياً للعهد، برنامجاً استثنائياً ضد شلل الأطفال في العالم، مما أنقذ حياة ملايين الأطفال وساهم في حمايتهم من الإعاقة.
بالإضافة إلى تلك الإنجازات التي ساهمت في إحداث نقلة نوعية على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية، فقد كانت شخصية المغفور له الشيخ خليفة محببة وقريبة من القلب، حيث لمسنا الطيبة والتواضع الجم والبساطة والترحيب بالصغير والكبير بأريحية تخلق لدى الضيف راحة نفسية وحب للمضيف في الوقت نفسه.
ولذلك ليس من باب المصادفات أن يعبر شعب الإمارات والشعوب الخليجية والعربية وقادة العالم عن حزنهم الكبير لفقدان المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، الذي ترك إرثاً تنموياً وإنسانياً لدولة مصممة على مواصلة الطريق ضمن توجهات جديدة لخمسينية قادمة تحمل معها الكثير من الخير والتقدم والنمو لشعب يزداد ثقة بقائده الجديد وبقدرة دولته على تحقيق النجاح في تطلعاتها للمستقبل.
وكل هذه الإنجازات كانت تتطلب الجهد والوقت، وهو ما بذله خليفة واسترخصه في سبيل بناء وتقدم الوطن، وهو ما سيظل شاهداً على إنجازاته وحياً في ضمير شعبه، لقد توسد الشيخ خليفة بن زايد تراب الوطن راضياً مطمئناً ومسلماً الراية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة للسير على درب زايد، متمتعاً بحب وثقة شعبه الذي عرفه قائداً ملهماً يعرف تماماً ما يريد، وإلى أين سيصل بوطنه ليقوده إلى المزيد من الإنجازات ضمن رؤيته للمستقبل، وفي ظل اقتصادات المعرفة والذكاء الاصطناعي التي يوليها سموه أهمية خاصة، مما يعني أن دولة الإمارات في عهده وضمن رؤية سموه ستتحول إلى دولة متقدمة اقتصادياً وتقنياً. وستصل إلى مراتب عالية جديدة لتنضم إلى أكبر عشرين اقتصاداً في العالم، وسيتعزز مركزها وثقلها الاقتصادي والجيوسياسي لتأتي ضمن الصفوف الأولى، مما سيضيف المزيد من الرفاهية والسعادة والأمن والاستقرار لدولة تسعى إلى الأفضل دائماً.
مستشار وخبير اقتصادي