ودعت دولة الإمارات العربية المتحدة وكل شعوب المنطقة والعالم قبل أيام الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، القائد الحكيم والاستثنائي الذي استطاع أن يقود سفينة الوطن في مرحلة مهمة من مراحل تطوره، لينتقل به من مرحلة التأسيس والبناء إلى مرحلة التمكين، رافعاً مكانة الدولة بين الأمم، ومرسخاً نموذجها التنموي الرائد باعتباره مثالاً يُحتذَى به إقليمياً وعالمياً، ومكرساً حالة فريدة من التلاحم الوطني النادر بين القيادة والجماهير، قلما نجد نظيراً لها في أي دولة أخرى بالعالم، لتنتقل المسؤولية إلى قائد ملهم آخر معروف للعالم كله بقيادته الاستثنائية ودوره المحوري في صناعة النموذج الإماراتي الرائد وترسيخ مكانة الدولة كنموذج للسلام والتسامح والتنمية المستدامة في المنطقة والعالم، وهو صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، لتبدأ دولة الإمارات مرحلة جديدة من مراحل تطورها السياسي، شعارها الانطلاق الواثق نحو المستقبل، وجعل الإمارات الأفضل عالمياً، بريادتها في جميع مؤشرات التنمية والرخاء.
ورغم الحزن الذي اعتصر قلوب الإماراتيين وكثير من شعوب المنطقة والعالم على فقدان زعيم بحجم ومكانة الشيخ خليفة، رحمه الله، القائد الإنسان الذي أفنى حياته في خدمة وطنه ورفعة رايته وسعادة شعبه، فإن الآمال والتفاؤل بمستقبل أكثر إشراقاً في ظل قيادة الرئيس الجديد، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، يظل هو المهيمن، ليس فقط داخل دولة الإمارات، ولكن في باقي دول المنطقة، بل وفي العالم، بالنظر إلى محورية الدور الذي لعبه سموه في رسم ملامح النموذج الإماراتي الرائد إقليمياً وعالمياً، وبناء صورة الدولة المضيئة في العالم كله، وصياغة سياساتها في الداخل والخارج. فعلى المستوى الداخلي، استخدم سموه ببراعة ثروات بلاده النفطية في بناء اقتصاد حديث ومتنوع ومستدام مبني على المعرفة، وقادر على مواجهة كل الصدمات الخارجية، ومواكب لكل التطورات الحادثة في العالم في مجالات الثورة المعرفية والتكنولوجية، ما يعزز التفاؤل بمزيد من الرخاء والتنمية المستدامة في المستقبل.

وأهم ما يميز الفكر الاستراتيجي لسموه هو الحرص على أن تكون كل القرارات الاستراتيجية والمستقبلية للدولة مبنية على العلم والمعرفة ومستشرفة للمستقبل وفق الأسس العلمية، ومن هنا كان الاهتمام الكبير بتطوير التعليم في الدولة، وتوفير الأجواء المناسبة للعمل البحثي والمعرفي، وهي الأجواء التي ساهمت في نجاح تجربتنا البحثية في مركز تريندز للبحوث والاستشارات وتعزيز انطلاقتنا العالمية كمؤسسة بحثية مستقلة تنشد تحقيق الرخاء والازدهار والسلام بين شعوب المنطقة والعالم وتعزيز أطر الحوار والتعاون المعرفي والأكاديمي على المستوى العالمي.
ولعل نظرة سريعة للعدد الكبير من المبادرات والاستراتيجيات المستقبلية التي أقرتها دولة الإمارات في كل المجالات في السنوات العشر الأخيرة، والتي حملت بصمات سموه ورؤيته، وتُوِّجت بإصدار مبادئ «وثيقة الخمسين» التي ترسم المسار الاستراتيجي للدولة خلال الخمسين عاماً المقبلة - لعل كل ما سبق يؤكد بجلاء الأهمية الكبيرة التي توليها القيادة الإماراتية عامة، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد -حفظه الله- خاصة، للتخطيط المبني على العلم والمعرفة واستشراف المستقبل في تحقيق الطموحات الكبيرة للقيادة الإماراتية والشعب الإماراتي.
أما على المستوى الخارجي، فهناك ما يشبه الإجماع على الدور الحاسم والحيوي الذي قام به صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، في ترسيخ مكانة الإمارات بوصفها وطناً للتسامح والسلام والأخوّة الإنسانية والتنمية المستدامة، فجهود سموه في هذا المجال واضحة للقاصي والداني، سواء على صعيد دعم الاستقرار الإقليمي وبناء نموذج جديد للسلام في الشرق الأوسط، عبر الاتفاقيات الإبراهيمية، أو على صعيد ترسيخ قيم التسامح ومواجهة خطابات الكراهية والتطرف وتعزيز قيمة الأُخوّة الإنسانية، وهو مفهوم صكته دولة الإمارات وعملت على تطبيقه عالمياً، بعد جمع رموز أكبر ديانتين إبراهيميتين على أرضها وإصدار وثيقة الأخوّة الإنسانية برعاية مباشرة من سموه، وهي الوثيقة التي صادقت الأمم المتحدة على أن يوم توقيعها هو اليوم الدولي للأخوّة الإنسانية، أو على صعيد بناء علاقات وثيقة مع مختلف دول العالم وقواه الرئيسية، مبنية على المصالح المشتركة، وبعيدة عن أنماط الاستقطاب الدولي كافة، وتقديم الدعم لكل دول وشعوب العالم في مواجهة الأزمات التي تواجهها، على نحو ما ظهر بجلاء في أزمة كوفيد- 19، وغيرها من السياسات التي عززت مكانة الإمارات عالمياً، وجعلتها شريكاً موثوقاً به لدى دول العالم وشعوبه قاطبة.
إن الانتقال السلس للحكم والسلطة الذي شهدته دولة الإمارات، لا يشير فقط إلى رسوخ التقاليد السياسية والاستقرار السياسي والتلاحم المجتمعي الذي تشهده الدولة، والذي يشكل قاعدة صلبة لانطلاقتها الواثقة نحو المستقبل المشرق، ولكنه يؤكد أيضاً أن هذا النموذج في الحكم والإدارة يصلح أن يعمَّم عالمياً، كنموذج للحكم الرشيد الذي ينشد التنمية والرخاء والسلام والاستقرار، وهي مفاهيم يفتقدها عالمنا اليوم في كثير من مناطقه.
رحم الله قائد مسيرة الوطن نحو التمكين، المغفور له بإذن الله صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وطيب ثراه. كما نسأله تعالى أن يحفظ دولة الإمارات وقائدها الجديد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، ويسدد على طريق الخير والرفعة خطاه، إنه سبحانه وليّ ذلك والقادر عليه.

الرئيس التنفيذي- تريندز للبحوث والاستشارات