شدني لقاء على شاشة (بي بي سي العربية) عبر برنامج «بتوقيت مصر» مع د. محمد أنور السادات، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان المصري، لدرجة إعادة مشاهدته لأكثر من مرة. لم تكن أريحية الضيف وشفافيته هما ما ميّز اللقاء، بل تمثيله الواثق لمرحلة استحقاقات الدولة الجديدة أمام مواطنيها والرأي العام الدولي، فذلك النموذج من الانخراط الفاعل إعلامياً هو ما افتقدته العملية الانتقالية مصرياً. د. السادات لم يبرر أي قصور اكتنفته العملية الانتقالية، بل أعطى أمثلة واقعية من موقع مسؤوليته على معالجات لبعض من أطلق سراحهم مؤخرا واضطلاع الدولة بمسؤولية إعادة تمكينهم، وأمثلةٍ أخرى على متابعة المجلس لقضايا طارئة أو مستجدة استدعت تدخله (كونه جهة الاختصاص) وحلها بشكل مباشر وعلني. وكذلك كان الحال من أسئلة «مُكيفة» لخدمة أهداف خاصة بالقناة المُستضيفة، فاستطاع باقتدار في الفصل بين الموقف السياسي والموقف الحقوقي لإدراكه الأجندة الخاصة بالقناة واحتواءها. للمرحلة الانتقالية للدولة هوية وطنية وليست حزبية، وهي تأتي مستتبعه لفرض الاستقرار ومتصلة بالإصلاح المالي، والإداري والاجتماعي، واي زائر لمصر يستطيع تلمس تلك الروح الجديدة لدى الإنسان المصري لإنه بات يتلمس الأفعال لا الأقوال على أرض واقعه وبشكل يومي.

مصر الآن واحدة من أكبر ورش العمل والإعمار في العالم العربي، من بنى تحتية بمعايير مستقبلية، إلى مشاريع طاقة متجددة، وصولاً لبرامج شجاعة في مواجهة تحديات التنمية الاستراتيجية واهمها الانفجار السكاني، ذلك بالإضافة لسوق مال جاذب لرؤوس الأموال في كافة القطاعات وليس قطاع الإعمار فقط.

تحديات مصر في الانتقال من «النظام» (ما قبل 2011) إلى «الدولة الوطنية» (ما بعد 2013) استلزم ثقافة إدارية جديدة وإرادة سياسية، والمؤشرات الملموسة تؤكد تخلق كليهما في شخصية المشروع وهوية الأهداف، وكذلك كان الموقف من عدم إنكار الاستحقاقات الواجبة لضمان نجاح المشروع.

فمعالجة التراكمات التاريخية تقتضي عدم المساس بالمسار التنموي والإصلاحي القائم، وعلى الأحزاب السياسية المصرية إدراك تلك الأولوية من منطلق المسؤولية الوطنية سياسيا قبل حزبياً. وأن تنمية المؤسسات المدنية ومدننة ثقافة الدولة سيستغرق ما يلزم زمنياً لتحقيق التراكمات النوعية المطلوبة لإنجاز ذلك.

إن كان ذلك اللقاء هو ملمح من ملامح ثقافة الدولة الجديدة، فهو نموذج يجب الاحتذاء به للتعبير عن لحظة مصر الجديدة والتي تستمد إرادتها من جذوة 30 يونيو 2013 في صناعة تاريخ يليق بأهلها.

* كاتب بحريني