تمتلك معظم الحكومات طرقاً لتحديد هوية مواطنيها. ففي الولايات المتحدة، يرى البعض أن أرقام «الضمان الاجتماعي» باتت بمثابة بطاقة هوية وطنية بحكم الواقع.

وفي الصين، يتقدم المواطنون الذي تبلغ أعمارهم 16 عاماً فما فوق بطلب الحصول على بطاقة هوية ساكن. وأنشأت الهند أكبر نظام هوية بيومترية في العالم. فقد أعلنت هيئة الهوية الهندية في ديسمبر الماضي أن 1.3 مليار شخص، أو ما يناهز 99% من البالغين الهنود، سُجلوا في الـ«آدهار»، وهو برنامج هوية رقمي طموح بات يُستخدم على نحو متزايد عبر كل جوانب الحياة في الهند.

وبينما تدرس دول أخرى تطبيق أنظمة هوية رقمية وطنية خاصة بها، فلا شك أن الهند يمكنها أن تقدّم بعض الإضاءات. أدخلت الهند العمل بـ«آدهار»، الذي يعني «المؤسسة»، في 2009 باعتباره طريقة ممركزة لضمان توفر كل ساكن على الإمكانيات لإثبات هويته بسهولة.

وكان هذا الأمر على قدر كبير من الأهمية بالنسبة لسكان الأرياف الفقراء بشكل خاص، والذين كان الكثير منهم يجد صعوبة في الوصول إلى الخدمات الاجتماعية والمالية لأنهم لم يكونوا يتوفرون على الوثائق اللازمة. ولإنشاء بطاقة هوية على نظام «آدهار»، يعطي السكان بيانات بيومترية -- وخاصة مسح القزحية، وبصمات أصابع اليدين، وصور – مقابل رقم هوية فريد يتألف من 12 رقماً. وتخزِّن الحكومة تلك المعلومات في قاعدة بيانات، يمكن لبعض الأطراف الخارجية الوصول إليها من أجل تأكيد هويتك عند الحاجة.

وبعد التسجيل بوقت قصير، يتوصل المستخدمون ببطاقة «آدهار» الخاصة بهم، رغم أن نسخاً إلكترونية للبطاقة باتت متاحة أيضاً حالياً. وإضافة إلى تسهيل القيام بمهام مثل فتح حسابات بنكية والحصول على بطاقات هاتف على مستخدمي «آدهار»، يساعد هذا النظام أيضاً الحكومة على تلافي ازدواجية الهوية أو أشكال أخرى من أشكال الاحتيال. ووفقاً لتقرير «حالة آدهار»، فإن 49% من مواطني الهند استخدموا بطاقة «آدهار» للوصول إلى خدمات مثل المعاشات وحصص الطعام لأول مرة في 2019. غير أن الجدل يحيط بـ«آدهار» منذ نشأته. فعندما بدأ العمل بالبطاقات، لم تكن هناك بشكل عام قوانين تحمي بيانات المواطنين، ما أدى إلى تسريبات في 2018 جعلت بيانات «آدهار» متاحة للجمهور على 200 موقع حكومي رسمي على الإنترنت.

ومنذ ذلك الحين، اعتمد النظام طرقاً أمنية أكثر صرامة، وفقاً للمهندس السابق في «آدهار» سانجاي جاين، بما في ذلك محو بينات الهوية بشكل أوتوماتيكي بعد ستة أشهر. وعلى الرغم من أن التسجيل في النظام طوعي، إلا أن المنتقدين يقولون إن «آدهار» أصبح أساسياً من أجل المشاركة في الحياة العامة والاقتصادية. وعلى الرغم من كل الطرق التي يجعل بها الخدمات الحكومية أكثر فعالية، إلا أن النظام التجريبي والطموح معرض للعطب والخلل، ما يخلق مشاكل كبيرة لأولئك الذين يهدف إلى خدمتهم. وعلى سبيل المثال، فعندما تعذّر الوصول إليه بسبب مشاكل تتعلق بتحديد الهوية، أدى ذلك إلى حرمان كثير من الناس من المساعدات الغذائية ومواجهة مشاكل وصعوبات في تسجيل أبنائهم في المدارس.

وفي هذا السياق، تقول «بام ديكسون»، المديرة التنفيذية لـ«منتدى الخصوصية العالمي»: «إن آدهار أفاد الناس حقاً عندما كان يشتغل، وأضر بهم حقاً عندما لم يشتغل». وقد أشارت المحكمة العليا الهندية إلى بحثها مرتين في حكم صدر في 2018 حاول توفير أدوات حماية على استخدام آدهار. غير أنه بينما ينمو «آدهار» ويتطور، فإنه من غير الواضح في كثير من الأحيان كيف يمكن الوصول إلى الخدمات بدونه.

وفضلاً عن ذلك، فإن الجهود الأخيرة لربط «آدهار» بتسجيل الناخبين وجباية ضرائب الدخل أعادت إثارة الجدل حول ما إن كان كان آدهار «طوعيا» حقاً. ويفيد البنك الدولي بأن ما يصل إلى مليار شخص في العالم لا يمتلكون أي شكل من أشكال تحديد الهوية، ولاسيما في أفريقيا وآسيا. وتُعد أنظمة الهوية البيومترية الرقمية حلاًّ جذاباً بشكل متزايد – ولاسيما بالنسبة للحكومات في البلدان النامية – لبساطتها وكلفتها المنخفضة نسبياً وإمكانية وصول الجميع إليها. ويصف جوزيف أتيك، الخبير في الهوية الرقمية وأحد مؤسسي مؤتمر «آي دي فور أفريكا»، الهند بـ«مختبر لبقية العالم». وقال أتيك في ندوة عقدت على الإنترنت مؤخراً: «إن أنجح ميزة في آدهار هو حقيقة أنه استطاع تسجيل مثل هذا العدد الكبير من الأشخاص في مثل هذه المدة الزمنية القصيرة».

وتتطلع الكثير من الحكومات، بما في ذلك ماليزيا وسريلانكا المجاورتان، إلى الهند من أجل الاستفادة من تجربتها في بناء أنظمة هوية رقمية خاصة بها. وإذا كان «آدهار» ليس مخططاً مثالياً لكل بلد، فإن بعض الخبراء يقولون، إن العمل به يوفّر دروساً لكل من يأمل في سدّ هوة الهوية. وتقول ديكسون: «إن الكثيرين ينظرون إلى» آدهار«باعتباره نموذجاً»، مضيفة «من المهم جداً أن يكون لدى الناس إمكانية الوصول إلى بطاقة هوية عادلة ومنصفة!».

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»