عندما يتعلق الأمر بالحوسبة الكمية والتقنيات، والتكنولوجيا القادمة والبيولوجيا التقنية، وإندماج الإنسان مع الآلة والشفرات التي ستكون ملازمة للإنسان طوال حياته، والتلاعب بالجينات البشرية والتطبيب الذاتي بالتقنيات التي هي جزء من جسم الإنسان، وهي طفرات حتماً ستغير الحياة البشرية دون رجعة، والمخيف هو أن هذه الأمور ليست بعيدة المنال كما يتصورها عامة الناس، وإنْ كان الأمر برمته قد يبدو لغزاً معقداً ومحيراً للغاية لمعظم سكان الكرة الأرضية، بينما هو ليس كذلك للدول والجامعات والمختبرات والشركات والمختصّين الذين يقضون جل حياتهم في تلك العلوم والتجارب، وقد قطعوا شوطاً كبيراً في تلك المجالات، والذي من الضروري أن يكون واضحاً هو أن تلك المتغيرات والقفزات غير المسبوقة في عمر الكائن البشري هي في طريقها إلينا شئنا أم أبينا!

وسيعتمد الكثير منا في العقد القادم على تنبؤات التعلّم الآلي لمساعدتنا في حل جميع أنواع القرارات الحياتية، والتغييرات المهنية، والتخطيط المالي وخيارات التوظيف، مما سيسمح لنا برؤية المستقبل بمزيد من الحدة وبإحساس أكثر دقة بالاحتماليات الممكنة، وستكون القوة المتضمنة في هذه الخوارزميات الجديدة غير عادية، وسيتطور فهم الوعي البشري لدرجة قد تمكنه من إنتاج آلات واعية على نطاق واسع، وتطبيق المبادئ البيولوجية والفيزيائية للإدراك، وبالتالي تعزيز أدمغتنا وأجهزتنا العصبيىة باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي الحيوي وغيرها من تقنيات ما بعد التكنولوجيا.

والتساؤل هنا هل سيكون للإنسان الخيار في إندماجه مع التقنيات المتقدمة من عدمه؟ وهل سيحصل على لقمة العيش من لا يخضع لواقع علوم المستقبل؟ وهل سيكون مستقبل العقل قراراً حكومياً أم ثقافياً مجتمعياً أم قراراً فردياً؟!

وتتضمن العديد من هذه القضايا المطروحة مشاكل فلسفية وأخلاقية ودينية كلاسيكية ليس لها حلول سهلة، ولنفترض أنك أضفت شريحة صغيرة لتحسين ذاكرتك العاملة، وبعد ذلك بسنوات أضفت شريحة «ميكروية» أخرى لتتكامل مع الإنترنت، وواصلت إضافة التحسين بعد التحسين حتى تصل لمرحلة لن تكون أنت فيها الشخص ذاته، وفكرة تحسين كل أوجه الحياة لجعلك أكثر ذكاءً أو أكثر سعادةً وربما حتى تعيش لفترة أطول، وكل تلك الأحجيات تقودنا لمستقبل الجهاز العصبي والعقل الإنساني في ظل ارتباطه بالتقنيات الناشئة، وكيف يمكن لتقنية الذكاء الاصطناعي الخارق أن تعيد تشكيل العقل البشري وتطور عقولاً اصطناعية.

فإذا كان لدينا ذكاء عام اصطناعي وهو ذكاء قادر على ربط الأفكار بمرونة عبر مجالات مختلفة، وربما امتلاك شيء مثل التجربة الحسية، والتي قد تصبح واعية، أو مجرد حوسبة في الظلام والانخراط في أشياء مثل مهام التعرّف البصري من منظور حسابي، والتفكير بأفكار متطورة لكن لا تكون واعية، فإن علينا أن نسأل أنفسنا ما إذا كان إنشاء آلات واعية متوافقاً مع قوانين الطبيعة؟ وفي الحقيقة نحن لا نعرف ما إذا كان الوعي يمكن أن يكون شيئاً يتم تنفيذه من خلال الرقائق الدقيقة أو تكنولوجيا فائقة التقدم؟ وهل عندما تصبح الحضارات أكثر ذكاءً يمكن أن تصبح «ما بعد تكنوبيولوجية»؟

فهل يتحول الذكاء الاصطناعي إلى نتيجة طبيعية للحضارات التكنولوجية الناجحة، وذلك من خلال عكس هندسة الذكاء الاصطناعي إلى ومن الدماغ إلى الحد الذي نحتاجه؟! وهل يتم الوصول لحافة الهوس التكنولوجي وتوقع كل السلوكيات الممكنة من البشر، وبالتالي نوعية الأعمال التي من الممكن أن يبرعوا فيها، وفقدان الخصوصية إلى الأبد؟

وهل تتحول أجهزتنا العصبية وأدمغتنا - كمنظومة اتخاذ قرار- ومهارة التفكير إلى أدوات في عالم محاكاة متشابك ليس لنا فيه خيار يذكر، وستأتي المشاعر في مرتبة متأخرة في اتخاذ قرار مثل: بمن يرتبط الإنسان؟ ولن يهدر الإنسان جهده في الدخول في علاقة محكوم عليها بالفشل منذ البداية وسيعيد التاريخ نفسه من حيث الكيفية التي بنيت بها المشاريع الكبرى في العالم القديم وبداية عصر المصانع البشرية التكنوبيولوجية!

* كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.