فجأة يبدو أن الاحتياطي الفيدرالي يتفق مع النقاد الذين يقولون إن جهوده للسيطرة على التضخم قد جاءت متأخرةً للغاية. لقد أعطى هذا التأخيرُ التضخمَ وقتاً أطولَ ليترسخ، والآن بعد أن يسرع بنك الاحتياطي الفيدرالي الخطى للحاق بالركب، يتعين على المستثمرين تغيير افتراضاتهم فجأةً.

ويعمل كلا العاملَين على تعقيد عمل البنك المركزي، مما يصعِّب كبح جماح التضخم دون دفع الاقتصاد إلى الركود. لم يكن من الضروري أن يكون الأمر على هذا النحو. في غضون أيام قليلة منذ إعلان السياسة الأخير، تغيرت إشارات بنك الاحتياطي الفيدرالي.

ففي 16 مارس، طمأن رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول الأسواق المالية بأن الانتعاش كان جاهزاً أخيراً لتحمل ارتفاع متردد في أسعار الفائدة، وهو أول ارتفاع بمقدار 25 نقطة أساس، مع المزيد من المتابعة، مما يؤدي إلى معدل قصير الأجل ربما بنسبة 2% بنهاية هذا العام. منذ ذلك الحين، وفي ضوء المزيد من الأخبار السيئة حول التضخم، أصبح المسؤولون أكثر تشدداً، وحذَّروا من أن الزيادات المستقبلية في أسعار الفائدة والتحركات لتخفيض حيازات البنك المركزي من الديون ستكون أكبر مما تم الإعلان عنه.

وكان من شأن اتباع نهج مختلف للسياسة النقدية أن يوجه بنك الاحتياطي الفيدرالي نحو رفع مبكر ويساعد المستثمرين على فهم ما كان يجري. لسنوات عديدة، كانت الأجيال المتعاقبة من خبراء الاقتصاد الكلي، وأبرزهم مؤخراً ديفيد بيكوورث وسكوت سومنر (من جامعة جورج ميسون) تحث مجلس الاحتياطي الفيدرالي، فيما يتعلق بوضع وتفسير سياسته، على إعطاء دور قيادي للناتج المحلي الإجمالي الاسمي.

المزايا واضحة حتى في ظل الظروف العادية. وفي الظروف الحالية، مع تعرض الاقتصاد لصدمات معقدة من جانب العرض، فإن الحالة أقوى. ويعد الناتج المحلي الإجمالي الاسمي (NGDP)، القيمة النقدية لناتج الاقتصاد، هو مقياس للطلب الكلي والمتغير الذي يعمل عليه الاحتياطي الفيدرالي بشكل مباشر. وتؤدي التغييرات في السياسة النقدية إلى تغييرات في NGDP، لكن الاحتياطي الفيدرالي لا يمكنه التحكم في مقدار النمو في NGDP الناتج عن ارتفاع الإنتاج الحقيقي وارتفاع الأسعار والكميات التي يهتم بها. واستخدام NGDP كهدف وسيط لتوجيه السياسة النقدية يوضح ذلك.

وعلى عكس «التفويض المزدوج» للتوظيف الكامل واستقرار الأسعار، فإنه يكشف حدود ما يمكن أن يفعله الاحتياطي الفيدرالي. وقد أخّر بنك الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة حتى الآن لأنه لم يكن متأكداً من سبب ارتفاع التضخم، وما إذا كان الانكماش الناتج عن الوباء سينعكس على الناتج المحلي الإجمالي الاسمي. وتؤدي زيادة الطلب على العرض إلى ارتفاع الأسعار، لكن ما مقدار هذا الفائض الناتج عن ارتفاع الطلب؟ وما مقدار الانقطاعات المؤقتة في العرض؟ يمكن للبنك المركزي الذي راقب NGDP أن يكون محايداً بهذا الشأن. وسيقارن NGDP الفعلي مع هدفه، ويهدف إلى تركه ينمو كما هو مخطط له.

وما يحدث للتضخم والإنتاج هو الذي سيحدد تغيير شروط العرض بعد ذلك. إذا تم الحفاظ على NGDP في اتجاه تصاعدي بنسبة 4% سنوياً، فإن اتجاه نمو الإنتاج بنسبة 2% سيؤدي إلى تضخم بنسبة 2% سالب، وهو سيناريو قياسي مقبول. إذا أدت صدمات العرض إلى خفض الإنتاج بنسبة 2%، فإن النمو المطرد في NGDP سيؤدي إلى تضخم بنسبة 6%، حتى تنحسر الانقطاعات في جانب العرض. الحفاظ على اتجاه النمو في الناتج المحلي الإجمالي الاسمي من شأنه أن يعطي الاقتصاد الأميركي طلباً كافياً للنمو مع إبقاء التضخم على المدى المتوسط ​​تحت السيطرة. وبشكل حاسم، فإنه من شأنه أن يعفي الاحتياطي الفيدرالي من الاضطرار إلى مراعاة كل انحراف في الإنتاج والتضخم، وهو أمر لا يمكنه فعله في الواقع، مهما حاول.

اعتماد هدف NGDP لا يحل كل مشكلة السياسة النقدية. ولا يوضح نهج NGDP مدى سرعة رفع أو خفض أسعار الفائدة بمجرد الإشارة إلى حاجتها للتغيير. ولا يذكر ما إذا كان يتعين على الاحتياطي الفيدرالي انتظار NGDP للخروج عن المسار أو محاولة توقع الانحرافات. كيف يتم حساب الاتجاه المعياري بالضبط؟ هل سيكون من الأفضل استهداف معدل نمو لـNGDP بدلا من استهداف مستوى نمو؟ هل يجب الإبقاء على هذه الطريقة كقاعدة رسمية أم مجرد استخدامها كدليل جنباً إلى جنب مع معايير أخرى؟

أياً يكن الأمر، فستكون خطوة كبيرة إلى الأمام إذا لم يفعل الاحتياطي الفيدرالي أكثر من إعطاء NGDP دوراً أكبر في تطوير وشرح تفكيره. وكانت الإشارة البسيطة في الوقت المناسب إلى أن السياسة بحاجة إلى التغيير لتكون ذات فائدة في هذا المجال. في الظروف الحالية، هناك فائدة أخرى جديرة بالملاحظة، ذلك أن نهج NGDP يشير إلى أنه بمجرد أن يسير الطلب على المسار الصحيح، فإن أي حافز مالي إضافي يكون فائضاً لمتطلبات الاقتصاد الكلي وسيتم تعويضه تلقائياً عن طريق السياسة النقدية، وهو فحص ذو قيمة للحكومات التي تميل إلى التعامل مع التوسع المالي كهدف في حد ذاته، بدلاً من اعتباره طريقةً لمساعدة بنك الاحتياطي الفيدرالي على القيام بعمله.

*كاتب أميركي متخصص في الاقتصاد والتمويل والسياسة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»