غالباً ما تكون فترة التحضير لقمة قادة الاتحاد الأوروبي أكثر دراماتيكيةً من نتائجها. وهذا ما انطبق على الاجتماع الأخير الذي عقد خلال النصف الأول من هذا الشهر بقصر فيرساي، وفشل في تسوية خلافات عميقة حول كيفية الإجابة عن بعض الأسئلة الكبيرة المتعلقة بالحرب الروسية في أوكرانيا. فهل ينبغي إنشاء صندوق آخر لتحفيز الاقتصاد شبيه بصندوق «كوفيد- 19»؟ وهل ينبغي منح أوكرانيا العضوية في الوقت الحالي؟ الجواب: لننتظر ونرَ. وهكذا، عاد التردد من جديد، بعد التضامن الأولي لزعماء الاتحاد بخصوص معاقبة روسيا ودعم كييف، مع حرص ألمانيا بشكل خاص على إنشاء سابقة جديدة لتأكيد الذات الجيوسياسية الخاصة.
بعض هذا التردد مردّه إلى الارتباك بشأن حجم التحول الاقتصادي وقوته. فآفاق النمو تدهورت، والبنك المركزي الأوروبي أصدر تحذيراً قوياً على نحو مفاجئ بخصوص التضخم، مشدِّداً على خطر تضخم مصحوب بركود اقتصادي. وبالنظر إلى تحول مركز الجاذبية السياسية في الاتحاد الأوروبي شرقاً، فإن شيئاً حسّاساً مثل قواعد عملية العضوية لن يتغير بين ليلة وضحاها. 
غير أن الصورة الكبيرة، على الأقل، تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي واعٍ بالتحول الجاري. وبالنظر إلى أن واقع الحرب الملح بات على أبوابه، فإن هناك وحدة أكثر مما كان موجوداً خلال الخلافات والخصومات الداخلية السابقة بشأن الإنفاق العام (الشمال ضد الجنوب) أو التراجع الديمقراطي (الغرب ضد الشرق). فما يحدث هو عملية تحول طويلة ومتعرجة من «عصر السلام الأوروبي» إلى الواقع الاقتصادي لما بعد الحرب، وليس تحولاً مفاجئاً. 
وفي هذا الإطار، يمكن القول بأن أعضاء الاتحاد الأوروبي الـ27 تعافَوا من حالة الرضا عن النفس والتقاعس السابقة بخصوص موضوعين اثنين، هما الإنفاق المنخفض على الدفاع والاعتماد الكبير على روسيا في الطاقة، وأخذوا ينتبهون إلى تكاليف معالجتهما. إذ تفيد مسودات القرارات التي نقلتها خدمة «بلومبيرج» الإخبارية إلى تعهد الأعضاء بالإنفاق أكثر وبـ«شكل مهم» على الدفاع والأمن، وبخفض مشتريات الغاز الروسي بالثلثين هذا العام. 
وهذا ليس مبلغاً صغيراً، فعالِم الاقتصاد جو بيسكاني يرى أن تداعيات الحرب يمكن أن تكلّف الاتحاد الأوروبي ما يصل إلى 175 مليار يورو (192,4 مليار دولار) هذا العام فقط، أو أكثر بقليل من 1% من الناتج المحلي الإجمالي. وتشمل تقديراته دعماً للأسر في مواجهة ارتفاع فواتير الطاقة، وكلفة تأمين إمدادات بديلة للغاز وبنية تحتية للطاقة، وتوفير الطعام والسكن وخدمات أخرى للاجئين، وزيادة الإنفاق على الأمن والدفاع. 
التغيير الضروري في الحمض النووي السياسي للاتحاد الأوروبي سيكون مهمة أكبر بكثير. فالتكتل كان مشروع سلام لجيل طفرة الولادات في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وقد وُلد من رحم مبادرة لجمع موارد ستة بلدان من الفحم والصلب، وتحويلها إلى مكونات للتجارة الحرة. ولا شك في أن تطلعاته الأكبر ستحتاج إلى لغة قوة مشتركة، واستيعاب التهديد، وموارد لمواجهته، والتي لا تعالجها «البوصلة الاستراتيجية» المقترحة إلا جزئياً. 
سيكون هذا تحدياً جيلياً آخر بعد «كوفيد 19»، الذي شهد تضحيةَ الشباب بجزء من مستقبلهم لحماية صحة مواطنيهم الأكبر سناً. وفضلاً عن الإصابات المباشرة في أوكرانيا، فستؤدي الحرب إلى تحولات أكثر في أوروبا وخارجها: فالسويد أعادت مؤخراً التجنيد الإجباري، والمواهب الروسية في الحاسوبيات أخذت تبحث عن حياة جديدة، والطلاب التايوانيون أخذوا يسجلون أنفسهم في دورات الإسعاف الأولي. كما وجد استطلاع للرأي أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في يناير الماضي أن الشباب في فرنسا وألمانيا أكثر استعداداً لتقديم تضحيات من مواطنيهم الأكبر سناً. 
ونتيجةً لذلك، فإن تحسين المساواة بين الأجيال سيكون أمراً ملحاً وعاجلاً. فالتحدي الديموغرافي للمجتمعات التي تزداد شيخوخةً، لاسيما في أوروبا، أرغم الحكومات على محاولة إصلاح أنظمة التقاعد المكلِّفة في بعض الحالات بشكل أنجح من حالات أخرى. ويقول «جيل موي»، رئيس الاقتصاديين في «أكسا إنفيستمنت ماناجرز»، إن تضافر التضخم والحرب سيؤدي إلى تجدد الضغط لتقليص العبء المالي على السكان العاملين من أجل تمويل العاطلين عن العمل، الذين يُعدون أكثر تعرضاً لفواتير طاقة عالية.
الخطة التي كشف عنها إيمانويل ماكرون مؤخراً، والقاضية بتمديد سن التقاعد في فرنسا في حال أعيد انتخابه، إلى جانب الوعد بحد أدنى من المعاش، تشير إلى هذا التحدي. لكن محاولتَه الأخيرةَ لإصلاح التقاعد أُحبطت بسبب الإضرابات والاحتجاجات والجائحة. 
الكاتب حكيم القروي، مستشهداً بعمل المؤرخ ابن خلدون، قال هذا الأسبوع إنه سيتعين على المجتمع الأوروبي أن يحول تركيزه من القيم الحضرية – تقاعد طويل ومثمر– إلى الأمن. وفي الأثناء، أشار معجبٌ آخر بابن خلدون، هو العالم بيتر تُرشين، إلى مفهوم «العصبية» (أو التماسك الاجتماعي ووحدة الهدف) باعتباره الاختبار الحاسم للحضارات. ولعل ذلك هو ما يجدر بقادة الاتحاد الأوروبي أن يضعوه في عين الاعتبار أثناء عودتهم إلى بلدانهم من فيرساي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»