آندي موخيرجي* 

قررت حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، في الذكرى الخامسة والسبعين لاستقلال الهند، الترويج لميزانيتها السنوية باعتبارها خطة لربع القرن المقبل. ومصطلح «جاتيشاكتي» الهندي الذي يعني الطاقة الحركية يجسد فكرة «مودي» للإسراع بحركة البضائع والأشخاص. وليس هناك ما يعيب هذا التركيز طويل الأمد على الإنتاجية، باستثناء أن نجاح أو فشل خطة الإنفاق لهذا العام سيتقرر بحسب حسن تسخيرها للطاقة الكامنة للقوى العاملة الشابة في الهند.

والبنية التحتية هي الفكرة الوحيدة في الميزانية حين يتعلق الأمر بالهدف الأقرب المتمثل في إنعاش الوظائف في اقتصاد ما بعد الجائحة. وأعلنت «نيرمالا سيترامان»، وزيرة المالية الهندية، أنها ستجتذب استثمار القطاع الخاص عبر تعزيز الإنفاق الرأسمالي الذي من المتوقع أن يقفز بنسبة 25% في السنة المالية التي تبدأ في أول أبريل ليصل إلى 7.5 تريليون روبية (ما يعادل 100 مليار دولار). وهذا الإنفاق الذي يعزز قدرة الاقتصاد على إنتاج سلع وخدمات جديدة جدير بالائتمان التجاري لأنه يأتي على خلفية ارتفاع أعلى من المتوقع بنسبة 41% العام الحالي. وتعتقد أسواق الأسهم أن هذا التركيز المستمر على إنشاء أصول مادية سيدعم النمو.

لكن بالنسبة لأسواق السندات، لا تتمتع حسابات الميزانية بمصداقية كبيرة. والعجز المالي المتوقع للسنة المالية 2022-2023 البالغ 222 مليار دولار أكبر من عجز السنة المالية الحالية البالغ 213 مليار دولار.

والإقراض القياسي الذي تجاوز ما كان عليه في العام الأول من الجائحة قد يجبر الحكومة على الاعتماد على البنك المركزي لشراء سنداتها عن طريق طباعة أوراق نقد جديدة. لكن مع شروع مجلس الاحتياط الاتحادي الأميركي في حملة تشديد نقدي جريئة، قد يكون من الخطر تمديد تخمة توافر سيولة الروبية في فترة الجائحة. والسياسات المالية والنقدية الفضفاضة في وقت يشهد عجزاً تجارياً مرتفعاً، وتراكم التضخم قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الروبية وتنفير المستثمرين الأجانب من أسواق الأسهم الهندية. ولا يتعين السماح بحدوث هذا.

ففي ظل غياب مجلس احتياط هندي سهل القيادة، قد يصبح المستثمرون الأجانب مصدراً مهماً بشكل خاص لتمويل عجز الميزانية هذا العام. لكن ما مدى حرصهم على شراء الديون الهندية؟ كان مديرو الصناديق يأملون في أن تتخلص الميزانية من ضرائب أرباح رأس المال على استثماراتهم، مما يمهد الطريق لإدراج البلاد في مؤشرات السندات العالمية. لكن لم تصدر مثل هذه التأكيدات.

وإذا اصطدمت الهند بالقيود التمويلية، نتيجة لهذا، فقد لا يتحقق الاستثمار في القطاع الخاص الذي تأمل سيترامان في تحفيزه من خلال تعزيز الإنفاق العام. ويتمثل العنصر الآخر من استراتيجيتها في التلويح بعصا زيادة الرسوم الجمركية على الواردات وتقديم جزرة الدعم البالغ قيمتها 27 مليار دولار ضمن برنامج «أصنع في الهند» الذي أُعلن عنه سابقاً.

وزادت الميزانية الرسوم على مجموعة من المنتجات المستوردة، من سماعات الرأس إلى ألواح توليد الطاقة الشمسية. وأعلنت أيضاً فرض رسوم «متواضعة» بنسبة 7.5% على السلع الرأسمالية وواردات المشروعات. ولمثل هذا الميل الحمائي تاريخ طويل من الفشل في الهند. ولا يوجد سبب لتوقع نتيجة مختلفة هذه المرة. لكن ظلت الضرائب على النشاط المحلي منخفضة. وباستثناء ضريبة تبلغ 30% على الدخل من تداول العملات الرقمية، لم يتم الإعلان عن أي إجراء جديد خاص بالعائدات.

وحتى منتجو السجائر لم تنالهم إجراءات ضريبية جديدة. وتم تمديد ضريبة نسبتها 15% من أرباح الشركات لمدة عام حتى مارس 2024 على شركات التصنيع المدرجة حديثا في البورصة. وخطورة مثل هذه الإستراتيجية المعتمدة بشدة على جانب العرض تتمثل في أن أي ضغط لزيادة العائدات خلال العام قد يؤدي إلى ضرائب استهلاك تنازلية. والضغط على السكان الذين تحملوا العبء الأكبر من فقدان الوظائف، في القطاع غير الرسمي بخاصة، قد يفاقم تعقيد عملية إنعاش الاقتصاد.

والجائحة أدت إلى مفاقمة عدم المساواة من خلال زيادة أرباح ودخول قطاع صغير من الشركات والأسر. وبفرض ضرائب على هذه الأرباح المفاجئة، كان بوسع الحكومة السيطرة على عملية الإقراض. وكان هذا سيجعل خطة الحكومة للإنفاق الرأسمالي جديرة بالائتمان التجاري وذات مصداقية. ولم تعلق سوق السندات أملاً كبيراً على الدمج المالي هذا العام، بينما طُلب منها امتصاص ديون أكثر بكثير مما كان متوقعاً.

وواقع الحال سيضغط أيضاً على الاحتياط الهندي الذي سيتعين عليه إعادة ترتيب أوراقه لمكافحة التضخم بسرعة كبيرة حتى لا يفقد السيطرة على استقرار الاقتصاد الكلي. وميزانية وزيرة المالية «سيترامان»، محفوفة بالمخاطر لأن خياراتها كانت محدودة. وتشير النسبة المنخفضة للغاية بين العمالة والسكان في الهند إلى فقدان 200 مليون وظيفة. ويتأخر الشباب عن الالتحاق بقوة العمل بينما تنسحب النساء منها بأعداد كبيرة. وعندما تحقق خطة «الطاقة الحركية» التي وضعها «مودي» تنشيط قطاع النقل، ربما حينها ستكون الهند تحتفل بمرور 100 عام على استقلالها. وسيصبح العمال، الشباب حالياً، في منتصف عمرهم حين يتحقق هذا. وفقدان جيل في ذروة قدرته على الإنتاج يمثل إهداراً هائلاً للقدرات.

*كاتب أميركي متخصص في شؤون الشركات والخدمات المالية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»