تعتقد الأوساط السياسية أن الانتخابات الوطنية تهدف إلى حل الخلافات الحزبية، لكن نتائج الانتخابات العراقية شكّلت عقبةً أمام تشكيل حكومة جديدة وفقاً لنتائج الاقتراع الذي جرى يوم 10 أكتوبر 2021.

اعتمد العراق قانوناً انتخابياً جديداً لانتخابات أكتوبر الماضي، على أساس الترشيح الفردي والدوائر المحلية، مما خلق فرصاً سياسية جديدة للمستقلين وأعضاء الحركة الاحتجاجية التي أسقطت الحكومة التي تشكلت بعد انتخابات 2018. وفي الانتخابات الأخيرة فاز أنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بـ(73) مقعداً، والمستقلون والمرشحون على مستوى القاعدة الشعبية بـ43 مقعداً، تليهم حركة «التقدم» برئاسة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي بـ(37) مقعداً، وكتلة «دولة القانون» بقيادة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بـ(33) مقعداً، و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» بـ(31) مقعداً، وكتلة «الفتح» الموالية لإيران بـ17 مقعداً.

ووفق نتائج الانتخابات تجري المفاوضات بين المجموعات السياسية لتحديد «الكتلة الأكبر» الجديدة في مجلس النواب، والتي ترشح رئيسَ الوزراء. وقد تضم الكتلة الأكبر أو لا تشمل الائتلاف أو الحزب الذي فاز بأكبر عدد من مقاعد المجلس. واعتبر مراقبو الانتخابات، ومنهم معارضون، أن المسؤولين أداروها بنزاهة وسط تدني نسبة المشاركة.

ولم تسفر عمليات إعادة الفرز عن تغييرات كبيرة، لذا حكمت المحاكم ضد مزاعم بعض الأحزاب بارتكاب مخالفات انتخابية. وشارك بعض الموالين لإيران في احتجاجات على نتائج الانتخابات التي خسروا فيها خسارة كبيرة غير مسبوقة، وألمحوا إلى أن العنفَ قد ينتج إذا استبعدت الحكومة العراقية المقبلة الكتلَ التي خسرت الانتخابات، ومنها قيادات «الحشد الشعبي» وكتلة «الفتح» الموالية لإيران.

وتحولت هذه الاحتجاجات إلى عمليات عنف، وعزا مسؤولون عراقيون هجوماً بطائرة بدون طيار، في نوفمبر 2021، على مقر إقامة رئيس الوزراء إلى المليشيات الموالية لإيران، لكن قادة المليشيات والمسؤولين الإيرانيين نفوا أي تورط لهم. وأدان الرئيس بايدن «الهجوم الإرهابي» على مقر الكاظمي، وقال: «إن الولايات المتحدة تقف بحزم مع حكومة وشعب العراق في سعيهما لدعم سيادة البلاد واستقلالها».

وكان منزل الحلبوسي قد تعرّض هو أيضاً لهجوم إرهابي مماثل. وفي هذا السياق، زار قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، العراقَ واجتمع في بغداد مع قادة الفصائل المسلحة والقوى السياسية وقادة «الإطار التنسيقي».. لتقريب وجهات النظر في ملف تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وللعمل على توحيد المواقف داخل البيت السياسي الشيعي، بعد الخلافات التي شبَّت مؤخراً بين «الإطار التنسيقي» و«التيار الصدري».

ولم تؤكد المصادر أن قاآني اجتمع مع الصدر، لكنها تحدثت عن مؤشرات على فشل زيارته. استقبل تنظيم «داعش» نتائج الانتخابات العراقية بالإعداد لعمليات إرهابية في عدة أماكن من البلاد، حيث أعلنت السلطات الأمنية العراقية ضبط صواريخ وعبوات ناسفة تعود للتنظيم، في محافظتي الأنبار وديالى، فيما ألقت القبض على مسؤول عمليات الاغتيال فيه بمحافظة «ميسان» جنوبي العراق. وقد تصح مقولة أنه «عندما ينكسر ظهر الدولة تخرج داعش»، ليتضح أن ما يحدث هو تمهيد لمشروع «داعش» المقبل.

ومما يثير التساؤل أن قوى إقليمية مستفيدةً تتعاون مع «داعش» بهدف إحداث فوضى لبعثرة نتائج الانتخابات العراقية التي فضحت الوزن الشعبي لقادة الفصائل الموالية لإيران، والتي تعرّضت لنكسة انتخابية غير مسبوقة، مما أربك دوائر البيت السياسي الشيعي. ما يتراءى سياسياً وأمنياً، منذ الانتخابات الأخيرة، هو أن ثمةَ مشروعاً يتم تجهيزه من قبل المليشيات «الولائية»، انتقاماً لقادتها. والانتقام هذه المرة سيكون موجَّهاً للمكّون الشيعي وسيكون بمثابة عملية «تأديب ولائي»!

*سفير سابق