كان الرد العالمي على فيروس «كوفيد-19» كارثة من حيث انعدام التنظيم وانعدام المساواة. ذلك أن 5 ملايين نسمة عبر العالم على الأقل ماتوا جراء «كوفيد-19». وما زال هناك نحو 50 ألف حالة وفاة تسجل أسبوعياً.

وحتى البلدان الغنية التي تمتلك كميات وافرة من اللقاحات مثل الولايات المتحدة وأوروبا الغربية ما زالت تشهد حالات إصابة مرتفعة، بينما تتخلف عنها الدول ذات الدخل المنخفض بنحو عقد بخصوص معدلات التلقيح، وفق أحد التقارير. وعلى هذه الخلفية، سيجتمع مسؤولون من مختلف أنحاء العالم في وقت لاحق من هذا الشهر من أجل اجتماع خاص للتباحث حول سبل إصلاح ومعالجة النظام العالمي الذي رد على «كوفيد-19» قبل قدوم أوبئة مستقبلية. الاجتماع، وهو عبارة عن جلسة خاصة نادرة لـ«جمعية الصحة العالمية» تبدأ في 29 نوفمبر، سيشهد مباحثات ومداولات حول سبل تعزيز منظمة الصحة العالمية بين دولها الأعضاء.

وعلى الرغم من أنه يعرف اهتماماً إعلامياً أقل من ذاك الذي يحظى به مؤتمر المناخ التابع للأمم المتحدة المنعقد مؤخراً في غلاسكو، في اسكتلندا، إلا أن الحدث لديه طموحات لا تقل نبلا عن هذا الأخير، وربما تعادله في صعوبة التحقيق. ومن الأفكار الأكثر راديكالية المطروحة تشريعٌ دولي ملزِم بشأن الجاهزية الوبائية («اتفاقية وبائية») يضع هندسةً عالمية جديدة للتعاطي مع حالات التفشي المقبلة لتفادي أخطاء «كوفيد-19».

وقد أصبح واضحاً خلال الأسابيع الأخيرة أن الدعوات إلى سن اتفاقية بهذا الشأن أخذت تكتسب تأييداً وزخماً في الآونة الأخيرة. ففي الأسبوع الماضي، أكملت مجموعة عمل كانت تجتمع على مدى أشهر تقريراً يدعو الجمعية إلى بدء صياغة مسودة «اتفاقية أو معاهدة أو وسيلة دولية أخرى تابعة لمنظمة الصحة العالمية بشأن الجاهزية الجماعية للتعاطي مع الأوبئة والرد عليها».

غير أنه من غير الواضح إلى أي مدى تستطيع البلدان أن تذهب في ذلك. وفي هذا السياق، تقول سويري مون، مديرة مركز الصحة العالمية بمعهد الدراسات الدولية والتنموية في جنيف: «إن السؤال هو: ما حجم الطموح من حيث الرغبة التي تحدونا في تقوية النظام العالمي؟ أي ما مدى استعداد البلدان لفعل ذلك؟»، مضيفةً: «هل هي مستعدة للتفاوض حول قواعد دولية ملزمة للقيام بذلك؟ وهل هي مستعدة لتوفير التمويل المطلوب؟».

بيد أن أي اتفاقية جديدة ستتطرق على نحو لا مفر منه لاثنين من أكثر مواضيع الوباء الحالي إثارة للجدل، ألا وهما: عدم المساواة في الوصول إلى اللقاحات والعلاجات، والبحث عن أصل الوباء. الموضوع الأول جلب الاهتمام هذا الأسبوع، في وقت استضاف فيه وزير الخارجية الأميركي أنثوني بلينكن اجتماعاً لمناقشة هدف تلقيح 70 في المئة من سكان العالم بحلول سبتمبر المقبل. فعلى الرغم من تسجيل بعض التقدم بهذا الخصوص، إلا أن هذا الهدف ما زال بعيد المنال: ذلك أن 2.5 في المئة من الناس في البلدان منخفضة الدخل تلقَّوا تلقيحاً كاملا، وفق بيانات جمعتها منظمة «حملة واحدة».

وحتى الآن، لم تتمكن مبادرة «كوفاكس» المدعومة من قبل منظمة الصحة العالمية من أجل توزيع جرعات اللقاح بشكل عادل من الاقتراب من تحقيق أهدافها في وقت تُقبل فيه البلدان الغنية على شراء كميات كاملة من اللقاحات. إجراءات ملزمة قانونية في بداية الوباء من أجل تشارك المعلومات والسماح بدخول محققين خارجيين هي سمة أخرى ممكنة للاتفاقية المرجوة، ولكنها ستصطدم بمشكلة مسيسة جداً، ألا وهي: أصل «كوفيد-19» الذي ما زال يلفّه الكثير من الغموض والعرقلة دون تحقيق مدعوم من قبل منظمة الصحة العالمية. وفي هذا الصدد، تقول مون: «إن أحد المواضيع الأكثر حساسية هو مسألة سلطة هيئة دولية للتحقيق في الوباء».

وحتى في حال تم الاتفاق على الحاجة إلى اتفاقية في جمعية الصحة العالمية، التي تنتهي في 1 ديسمبر، فإن الأمر قد يستغرق أعواماً قبل الانتهاء من الاتفاق على التفاصيل. وفي الولايات المتحدة، مثلاً، قد يعني ذلك تحولاً في الزعامة السياسية، لكن حتى من دون ذلك، فإن اتفاقية ستتطلب أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ الأميركي لكي تصبح قانوناً. ثم إنه حتى في حال تم الاتفاق على اتفاقية، فإنه يمكن لأي بلد في نهاية المطاف عدم التوقيع عليها، أو التراجع بكل بساطة عن التزاماته بشأنها.

ولكن بالنظر إلى أن وباءً آخرَ مستقبلياً هو شيء في حكم المؤكد، وبالنظر أيضاً إلى أن إخفاقات رد عالمي على هذا الوباء ما زالت جديدة وطرية، فإن الكثيرين يأملون أن تكون البلدان قادرةً على وضع بعض خلافاتها جانباً، على غرار نموذج البلدان التي تعمل معاً على تعهدات بشأن المناخ، وإن كانت غير ملزِمة. وفي هذا الصدد، قال المسؤول القانوني لمنظمة الصحة العالمية ستيفن سولومون: «ليست هناك أي اتفاقية، ولا عقد، مثالي يتسم بالكمال. ولكن المجتمع الدولي يعمل من أجل خلق اتفاقيات ملزمة لأنها أفضل من البديل».

*كاتب بريطاني متخصص في الشؤون الخارجية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»