في العاشر من ديسمبر قبلَ خمسين عاماً، رُفعَ عَلَم الإمارات العربية المتحدة لأولِ مرةٍ في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، وأخذنا أولى خُطانا على الساحةِ الدوليةِ ونحنُ دولةٌ فتيةٌ ما لبِثت أن أتمت أسبوعها الأول. ومنذُ ذلكَ الحين، ومواطنتُنا في العالم والتزامنا النَشط بمسؤوليتِنا تجاه قضايا الإنسانيةِ الكبرى تكتسِبُ احتراماً وإقراراً دولياً.

هذه هي دولة الإمارات التي ستبدأ في 1 يناير 2022 ولعامين متتاليين، عُضويتَها في مجلسِ الأمن التابعِ للأُمم المتحِدة. نحن ندرك تماماً حجم التحديات التي يواجِهُها المجلس والمسببات التي تعوق عمله، إلا أن التفاؤل الواقعي الذي جبَلَ عليه الوالد المؤسس، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – طيب الله ثراه، أبناء الإمارات، يجعلُ مِن حتمية التقدم يقيناً لا يشوبُهُ لدينا شك. هذا الإرث الوطني، هو الذي أوصل دولة الإمارات لاستضافة معرض إكسبو لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط، وجعله الأكبرَ من نوعِه في العالم على الرغم من تداعيات الجائحة، وهو الذي دفع «عيال زايد» لبِناء فريقٍ نهل من مشارب الأرض علماً فأوصلَ العرب إلى المريخ، وهو أيضاً الذي ساهم في سن نهجٍ شُجاعٍ فتح باب السلام للمنطقة بالاتفاق الإِبراهيمي، وشيّد للتسامُحِ عُنواناً هو بيت العائلةِ الإبراهيمية.

لقد استبصرت قيادتنا الرشيدة في كُل خطوةٍ من خطواتها المخاطرَ والتحديات، وتجاوزتها بالعمل المُشترك مع الحلفاء والأصدقاء، إلى أن أضحت طموحاتنا إنجازاتٍ ملموسةٍ على أرض الواقع. لقد ازدادت تجاربنا الوطنية ثراءً على مدار العقود الخمسة الماضية من خلال العمل المتعدد الأطراف الذي لا يمثل أحد مُرتكزات سياستنا الخارجية فحسب، وإنما منهاجاً تجسِده بشكل يومي مؤسساتنا الوطنية والخاصة، من خلال تسخيرها لخدمةِ الجهودِ الدولية. فدولة الإمارات تدعمُ حالياً برامج لتعليم ملايين الأطفال حول العالم، وتوظف قطاعات الطيران والملاحة من أجل تيسير وصول الإمدادات الإنسانية، كما توفر التدريب العسكري للنساء في قوات حفظ السلام، عبر كلية خولة بنت الأزور العسكرية، وتحتضن العاصمة أبوظبي الوكالة الدولية للطاقة المتجددة.

ستتطلب المرحلة القادِمة منا مضاعفةَ هذه الجُهودِ الحُكومية والوطنية الشامِلة، في ضوء المنعطف الهام الذي يمر به المُجتَمَعُ الدولي، حيث فاقمت الجائحة وتغيّر المناخ خطر استمرار الحروب والنزاعات، وتركها مُهملةً بلا حلولٍ أو تهدئة. من ناحيةٍ أُخرى، تشهد الساحة الدولية استقطاباً متزايداً وتنافساً حاداً بين الدول الكبرى، مما يُنذر بتعطيل العملِ المُتعدد الأطراف. لذلك نحن أمام خيارين في مجلسِ الأمن، إما التقدم أو الجمود.

أما نحن فخيارنا الذي تؤكده قيادتنا الرشيدة يومياً هو التقدم، وسنقصِده من خلال استراتيجيةٍ ترتكزُ على ثلاثةِ محاور: أولاً، سنستمرُ في تقديمِ نموذج متميز لمُشاركة العالم شواغله، فعلى سبيل المثال لا الحصر، لقد أعلنا مؤخراً عن التزامنا بتحقيق الحياد المُناخي، المتمثل في الوصول بصافي الانبعاثات الكربونية إلى صفر بحلول عام 2050.

ثانياً، سنسعى لإرساء بيئةٍ حاضنةٍ للتعاون الدولي من خلال توظيف وتطوير شراكاتنا الفاعلة وخبراتنا في بناء الجسور داخل المجلس وخارجه.

ثالثاً، سنهدِفُ إلى تحقيق تقدمٍ في مجالاتٍ يتوافقُ حولها الدول الأعضاء، مثل مُحاربةِ الإرهاب ومَنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، والذي من شأنه تحييد الفُرقةَ والاختلاف في المجلس. وتأتي في هذا السياق أولويات دولة الإمارات في المجلس، لتؤكد شمولية رؤيتها وانسجامها مع أهم الشواغل والتطلعات العالمية، حيث سنعمل على تعزيز المساواةِ بين الجنسين، وإرساء قيم التسامُح والتعايش ومكافحةِ التطرُفِ ومحاربة الإرهاب، وتعزيز قدرات التصدي لتداعيات تغَيُرِ المُناخ، ودعم الإغاثةِ الإنسانية والصحةِ العالمية، إلى جانب تسخير الابتكار في خدمةِ السلام.

إضافةً إلى ذلك، سنؤتَمن، مع زملائنا الأعضاء، على المسؤولية الأهم في المجلس، وهي الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. وسنؤدي هذه الأمانة بإخلاصٍ وصِدق، حيثُ إننا مُلتزمونَ بتفعيل العملِ المُتعدد الأطراف، لنتمكن من مواجهةِ مُتطلبات القرن الحادي والعشرين، بناءً على حقيقة واضحة وهي أن وجود نظام دولي قائم على قواعدَ واضحة، يُعد ضرورةً لا غنى عنها وعنصراً أساسياً في تحقيق الأمن والازدهار لدولة الإمارات، ولجميع دول العالم.

سيحمل راية دولة الإمارات في مجلس الأمن فريقٌ يمتازُ بالخِبرةِ والكفاءةِ والتفاني، نساءٌ ورجال من كُلِ أركان هذا البلد المعطاء، يجمعهم التصميم على إطلاق الخمسين سنة القادمة من الدبلوماسية الإماراتية بنجاح.

نعي ونحن نستَعدُ للعضوية الأسباب التي تمنع مجلس الأمن من إدراك كامل الآمال التي حملها تأسيسه، فنجاحه يكمُن في إيثار الصالح العام على المصالح الضيّقة، والدِبلوماسيةِ الهادِفة على الاستعراض الفارغ. كما سنستلهِم التفاؤل من تجرُبة الإمارات التي أثبتت أنَ الإرادة والابتكار والنهج العملي، قادرة على تحقيق الإنجازات وتذليل الصعاب. وسنعملُ خلال العامين المقبلين على رفعةِ «الدار» التي أنعم الله بها علينا، وسنساهم في تحقيق الهدف الأسمى الذي تصدّر ميثاق الأمم المتحدة، وهو أن «ننقذ الأجيال القادمة من ويلات الحرب».

سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان*

*وزير الخارجية والتعاون الدولي