الآن طوت دولة الإمارات العربية المتحدة السنوات الخمسين الأولى، وقبل أن ينهي العرب والعالم احتفاءه بمنجزات هذه البلاد البارع أهلها، خرجت قيادتها السياسية تكشف عن أن ما مضى من العقود الخمسة ما هو إلا إعداد واستعداد لانطلاقة غير محدودة الأفق في تنافسية فريدة مع الذات التي جعلت من المستحيلات مجرد وجهة نظر، عند قوم كان والدهم المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه- صنع من المستحيل ما هو ممكن وما كان حلماً جعله واقعاً. البدايات صعوبتها في واقعها السياسي.

فالبريطانيون الذين حزموا حقائبهم وغادروا محمياتهم شرق قناة السويس على عجلة من أمرهم في نهاية الستينيات الميلادية من القرن العشرين إنفاذاً لما جاء في «الكتاب الأبيض» بجلاء بريطانيا العظمى من مستعمراتها وهي الوثيقة التي نشرت عام 1957، غير أن الجلاء العاجل وضع المنطقة في التحدي السياسي الطارئ، ومنه بدأت القصة الأولى في تحويل المستحيل لوجهة نظر ليس إلا.

الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه- كان استثنائياً في توظيف اللحظة الفارقة عند مجتمع لا يمتلك مقومات الدولة.

فالصحراء الصعبة تحيط به وبقومه والشرق الأوسط كما هو منذ الأزمنة البعيدة في صراعاته، التحديات كانت سياسية والبداية كانت حنكة سياسية من عربي امتلك في تلك اللحظة الإيمان على أن قومه الأعراب يستطيعون البدء في جعل المستحيل وجهة نظر. تأسس الاتحاد الإماراتي على قواعد السبع إمارات، والأهم على قواعد المصير المشترك تحت راية وطنية واحدة، وهنا النقطة الفارقة ففيما كانت تتعثر الدول كان الآباء المؤسسون يضعون الأسس لقواعد الدولة الوطنية بمفهوم الدولة الحديثة المستجيبة لمقومات عصر ما بعد الثورة الصناعية الأولى. والتحدي تحول إلى فرصة، والفرصة تحولت لحقيقة في الثاني من ديسمبرعام 1971.

الظرفية الزمانية بكل محدداتها أُخضِعت لتكون البداية لصناعة الدولة الاستثناء في الجغرافيا الاستثنائية، التحدي السياسي تم تجاوزه بتسامي النفوس والوعد الصادق الذي بعد سنوات من المسيرة الاتحادية عاد الأب المؤسس زايد بن سلطان -طيب الله ثراه- ليصف فيها السر فيما كان عسيراً ومعقداً، فالمنجز السياسي كان نواة الميلاد فبواعث النجاح السياسي كانت شحيحة إلا من قلة رجال اعتقدوا أن بإمكانهم العمل مع المؤسس لإنجاح المشروع الوطني السياسي. واقعية الإدارة السياسية كانت الامتياز الذي اعتمدت عليه سياسات المؤسس، فاجتياز مرحلة التأسيس الوطني أعقبه توفير كل ما يمكن من موارد للعمل على نهضة اجتماعية واقتصادية كان محور استهدافها الأول تنمية الإنسان على اعتباره القوة التي ستعتمد عليها الدولة في المراحل اللاحقة، وبرغم أن الموارد كانت محدودة والمستهدفات طموحة لكن التعامل بواقعية وفّر الفرص لتجاوز التحديات، والبدء في إنشاء البنى التحتية بطموحات مفتوحة المدى.

الإماراتيون كانوا يعملون بجدية كاملة في تنويع قوتهم الناعمة لتكون القوة الرافعة لاقتصادهم، فيما كان غيرهم منشغلاً في تدوير الصراعات والأزمات المستدامة في الشرق الأوسط، اعتمدت أعلى معايير الجودة العالمية، لتكون الإمارات واحدة من الدول المتقدمة في التنافسية بكل المجالات، هذه السياسة أنتجت في خمسة عقود حقيقة أن الإمارات وهي الدولة الأوسطية باتت تحمل العالم إلى المستقبل، بما في ذلك أنها الدولة التي ترسم سياسات الشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين، ومع كل هذه السنوات الضوئية الخمسين أعلنت قيادة الإمارات الرؤية نحو المئوية، باعتبار أن ما تم منذ لحظة ميلاد الدولة عام1971 وحتى بلوغ الخمسين كان إعداداً واستعداداً لانطلاقة علمية وعالمية واقتصادية وإنسانية لا سقف لها، فالأرض معمورة والراية في المريخ خفاقة.

* كاتب يمني