بالنظر إلى عشرة الأشهر الأولى من رئاسة جو بايدن، نرى دلائل قليلة على أن وسائل الإعلام درست وفحصت الدور الذي لعبته في هجوم «الجمهوريين» على الديمقراطية.

والواقع أنه بإمكان المرء أن يحاجج بأن المنابر الإعلامية الرئيسة كانت متواطئة في الأزمة الحالية للديمقراطية. ذلك أن جعل التغطية الإعلامية تافهة، واعتماد التكافؤ الزائف، وتضخيم وجهة نظر الحزب «الجمهوري»، والمعاملة الطبيعية لسلوك «الجمهوريين» كما لو كانت ضمن الحدود العادية للسياسة.. كلها أمور لديها تداعيات جدية على «الديمقراطية»، التي تعتمد على مواطنين لديهم مطلعون على حقيقة ما يجري. والحال أن أستاذ الصحافة والناقد الإعلامي «جاي روزن» يرى أن «التغطية المتزايدة، والتركيز على اللعبة الداخلية، ومفهوم التكتيك والاستراتيجية، وانضمام الطبقة السياسية إلى المدمنين على المعلومات»، لا يفعل شيئاً لإفادة الناخبين وإطلاعهم على التشريعات المهمة.

والحال أننا نحصل على تغطية مستمرة لا تتوقف ل«كيفية تحضير النقانق»، ولكن القليل أو لا شيء بخصوص محتوى مشاريع قوانين تبلغ قيمتها تريليونات الدولارات. ونسمع حوارات لا نهاية لها حول أساليب التعطيل والمماطلة في الكونجرس، ولكننا لا نسمع شيئا عن مخطط «ديمقراطيي» مجلس الشيوخ لحقوق التصويت التوافقي، في حين نجد أن«الجمهوريين»، قلما ينتقَدون بخصوص أسس اعتراضاتهم على تدابير معقولة ومنطقية (ومن ذلك على سبيل المثال زيادة العقوبات بخصوص تهديدات لمسؤولي الانتخابات، واشتراط سجل تدقيق ورقي، وحصر أوقات الانتظار في 30 دقيقة). هذا الأسلوب من التغطية السياسية يقلّص قضايا الساعة الأساسية ويختزلها في الأحداث الرياضية وأخبار المشاهير.

«هل الرئيس غاضب من أعضاء من مجلس الشيوخ؟» الجواب غير ذي أهمية، والسؤال مصمم لخلق تصريح تافه لا معنى له من قبيل «البيت الأبيض ينفي أنه غاضب»، بدلاً من تحليل جوهر الخلافات. وفي البيئة السياسة الحالية، بات هوسُ الإعلام يخفي وراءه جنونَ يمين مختل على نحو متزايد وافتقاره لأجوبة على شكل سياسات بخصوص كثير من الموضوعات.

واللافت أن وسائل الإعلام تتحاشى الضغط على «الجمهوريين» بخصوص المسائل الجوهرية، وبالتالي لا يتم التعامل مع عملية التشريع على محمل الجد. وبدلا من ذلك، باتت تغطية «الجمهوريين» تركز بشكل شبه حصري على أحدث نماذج النقل الثقافي الخاصة بهم. إذ ينتهي الأمر بوسائل الإعلام إلى نشر مواضيع ملفقة بهدف إغضاب الجمهور، وصرف انتباهه عن حالة البلد، وبصراحة تضليله.

وهكذا، نحصل مثلاً على تغطية أكبر لهجوم سيناتور تكساس «الجمهوري» تِد كروس اللامعقول على شخصية «بيغ بيرد» في سلسلة «شارع سمسم» الموجهة للأطفال، مما نحصل عليه من تغطية حول الفوائد والمزايا التي سيحصل عليها ناخبوه من أجندة بايدن، التي يعارضها. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل يُستفسر هذا السيناتور وأمثاله حول أفكارهم ومقترحاتهم السياسية بخصوص سبل تقليص التضخم أو تقليص انعدام المساواة أو تحسين المنافسة؟

وفضلا عن ذلك، فإن الجمهوريين قلما يُنتقدون بخصوص تأييدهم الضمني للعنف – من تبرير الرئيس السابق لهتافات «اشنقوا مايك بنس!» في 6 يناير، إلى التحذيرات بشأن «إراقة الدماء» من النائب ماديسون كوثورن، الجمهوري عن ولاية كارولاينا الشمالية، إلى الصور العنيفة التي نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي النائبُ بول غوزار، الجمهوري عن ولاية أريزونا. وفي أفضل الأحوال، يكون هناك استفسار سرعان ما يتم تخطيه من قبيل «ما ردُّك؟»، ولا يُسأل الجمهوريون أبداً تقريباً «كيف يمكن أن تبقى في حزب يتسامح مع العنف؟» أو «كيف يمكننا نعهد لأشخاص يتبعون زعيم»اجعلوا أميركا عظيمة من جديد«بالسلطة و/أو إثارة العنف؟

باختصار، عندما لا ترمي وسائل الإعلام الرئيسية بثقلها على جانب الواقع الموضوعي (عبر التنبيه مثلا إلى أن«الجمهوريين يكذبون»)، وتبني تغطيتها على أساس الادعاءات الجمهورية الواهية، وتمتنع عن محاسبة السياسيين عن إذكاء العنف، وترفض تغطية جوهر أجندة حزب معين (أو غياب تغطية جوهر أجندة حزب آخر)، فإنها تروّج لبيئة خالية من الحقائق يتم فيها إخفاء الطبيعة الحقيقية للحزب «الجمهوري» الحالي عن الجمهور، ثم إنه من غير المعقول ألا يؤثّر تسامحُ «الجمهوريين» مع العنف على إصرار وسائل الإعلام على الحفاظ على تكافؤ زائف بين الحزبين.

وعليه، فإذا كنت تعتقد أننا نحتاج إلى تغطية إعلامية جدية مثل جدية التهديدات المحدقة بنظامنا الديمقراطي، فلا شك أنك مستاء من العشرة أشهر الأولى من تغطية بايدن. أما إذا كنت تعتقد أنه يجب على وسائل الإعلام أن ترمي بثقلها على جانب الديمقراطية، وتميز بين السياسة العادية والسلوك الفاشي المناهض للديمقراطية، فلا بد أنك تشعر بالصدمة والخوف.

*صحافية أميركية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»