كرّس برنامج «البشير شو» الساخر الهزلي السياسي، وهو الأكثر شعبية في العراق، فقرة ثابتة بعنوان «الفهكان» (السرقة). وتبرز هذه الفقرة الاحتيال الذي يحدث سواء في صورة ترسية إحدى المناقصات بأساليب احتيالية أو تسليم مشروع دون المواصفات المقررة، وأشكال أخرى من الاحتيال التي يرتكبها أفراد أو أحزاب ذات علاقات سياسية.

إنه أمر محزن، ومضحك، وواقعي في آن واحد. إن الفساد متجذر بعمق في العراق. ويُقدّر الرئيس العراقي برهم صالح خسائر الدولة العراقية من الفساد منذ عام 2003 بنحو 150 مليار دولار، وهو رقم يبدو أقل كثيراً من الحقيقة. يعمل النظام العراقي بشكل هرمي: - في القمة، نجد الحكومة التي تحصل على معظم عائداتها من النفط قبل توزيعها على الوزارات. - وتتولى الأحزاب السياسية هذه الوزارات حسب نتائجها في الانتخابات والقوة التي تتمتع بها.

وتحصل الأحزاب على الأموال الحكومية وتتحكم في منح العقود والتعيينات، وتقوم بتعيين أنصارها في الحكومة دون أن يقوموا بعمل واضح ليطلق عليهم اسم «الأشباح»، أو الموظفين الوهميين. ويقول أحد مسؤولي الوزارات العراقية، إن هذه الممارسات تلتهم أكثر من نصف ميزانية وزارته. - أمّا ما يتبقى من موارد الدولة فيصل إلى المواطنين من خلال وظائف القطاع العام، في حين هناك البعض وأغلبهم من الشباب والمهمشين، خارج هذا النظام تماماً. يمكن لسياسة واحدة تغيير هذا الواقع وتسطيح هذا النظام الهرمي، بمنح الأموال مباشرة إلى المواطنين من خلال الدخل الشامل. وفيما يلي دليل تقريبي حول كيفية عمل ذلك. من الممكن أن يحصل كل عراقي بالغ على مبلغ مالي قيمته 150 دولاراً شهرياً، بغض النظر عن نوعه أو انتمائه السياسي أو وضعه الوظيفي.

ورغم أن هذا المبلغ يبدو قليلاً مقارنة بمتوسط أجور موظفي الحكومة في العراق، والذي يبلغ نحو 800 دولار شهرياً، فإنه سيكون لكل فرد وليس لكل أسرة. فالأسرة المكونة من أب وأم وطفلين ستحصل إلى 600 دولار شهرياً وليس على 150 دولاراً. فكيف ستمول الحكومة هذا وهي حالياً تنفق حوالي 90 مليار دولاراً سنوياً، أغلبها على أجور العاملين في القطاع العام. إن إعادة توجيه نصف هذه الأموال نحو مشروع الدخل الشامل تكفي لتمويله. ويمكن استخدام الجزء الباقي للاحتفاظ بالعاملين المدنيين الذين لا غنى عنهم في مجالات الدفاع والأمن والرعاية الصحية والإدارة العامة وغيرها. أما باقي العاملين في الدولة حالياً فيمكن أن يعرض عليهم الاختيار بين البقاء في وظائفهم أو الاستقالة والحصول على الدخل الشامل لتشجيعهم على القبول.

منح المواطنين الأموال الحكومية بشكل مباشر سيقلل الأموال العامة المتاحة أمام الأحزاب السياسية ويحد من نطاق الفساد. فهل ستوافق الأحزاب على هذا النظام؟ حسناً، إن موافقة الأحزاب مفيدة لكنها ليست ضرورية. فمصدر الأموال خارجي، يتمثل في الأموال التي تدفعها دول مثل الصين والهند مقابل حصولها على النفط العراقي. ويمكن للمجتمع الدولي إقناع الدولتين وغيرهما من مستوردي النفط العراقي بتحويل الأموال مباشرة إلى 25 مليون حساب مصرفي يملك كل عراقي بالغ حساباً منها، دون المرور على النخبة السياسية. وقد يعترض البعض على هذه الفكرة باعتبارها تمثل انتهاكاً للسيادة العراقية. فإذا حدث ذلك، يمكن إجراء استفتاء شعبي ليجيب فيه العراقيون عن السؤال: هل تريدون الحصول على أموال مباشرة عبر حساباتكم المصرفية أو تريدون استمرار السياسيين في توزيع هذه الأموال كما حدث طوال 18 عاماً؟ من ناحية أخرى، فإن الدخل الشامل –الذي لا يجب أن يكون أساسياً، بالمناسبة، له فوائد أخرى.

فهو يضمن توزيعاً أكثر عدالة للثروة العراقية، مقارنة بالإدارة الحالية. فقد كانت أغلب الاحتجاجات الشعبية الأخيرة في العراق بما في ذلك احتجاجات أكتوبر2019، تطالب بالوظائف للشباب والمحتجين المهمشين. ويشعر المحتجون بأن النظام السياسي مصمم لصالح الكبار، خاصةً ذوي العلاقات السياسية. ولم تكن هذه مشكلة في ظل الدخل الشامل –سيحصل الجميع على فرص متساوية للاستفادة من الثروة النفطية. كما سيساهم هذا النظام في رفع الإنتاجية والنمو في القطاع الخاص عن طريق إلغاء خيار الوظائف الحكومية.

ألا نبغي للعراق أن ينفق أمواله على تحسين البنية التحتية المتهالكة والاستثمار في تقديم الخدمات العامة بدلاً من إعطاء الأموال مباشرة للناس؟ بالتأكيد، لكن هذا يراهن على حسن النية والإدارة الفعالة للطبقة السياسية بالبلاد –وهو رهان لم يؤتِ ثماره في السنوات الـ 18 الماضية، ومن غير المرجح أن يؤتي ثماره في المستقبل. ألن يكافح العراق لتمويل آلية الدخل الشامل إذا انخفضت أسعار النفط؟ نعم، لكن البلاد كافحت أيضاً لدفع رواتب القطاع العام عندما تراجعت أسعار النفط في 2014 –لقد لجأ إلى صندوق النقد الدولي طلباً للمساعدة.

وفي عام 2020، كان التراجع في أسعار النفط الخام حاداً لدرجة أنه أجبر الحكومة على خفض قيمة العملة لتغطية نفقاتها. إن آلية الدخل الشامل تقلل الفساد، وفرص تطبيقها أفضل من فرص تطبيق أي حلول أخرى تحتاج إلى إصلاح النخب لنفسها على حساب مصالحها. كما أنها أكثر عدالة وتساهم في تطوير اقتصاد أفضل. ورغم أنها ليست مثالية، فإنها أفضل بكثير من الترتيبات الحالية وتستحق على الأقل منحها فرصة للاختبار عند تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات المقبلة.

* كبير خبراء الأسواق الناشئة في وكالة بلومبيرج ايكونوميكس.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»