لكي نفهم ما يحدث في لبنان اليوم علينا العودة للوراء، فما حدث في الطيونة، المنطقة القريبة من مكتب المحقق العدلي حول انفجار مرفأ بيروت، مرتبط بتداعيات كثيرة قبله، والسبب المباشر هو تفجيرات المرفأ. فالقاضي المكلف بهذا الملف استدعى نائبين في مجلس النواب، هما حسن خليل وغازي زعيتر، والأول محسوب على «حزب الله» وقد رفض الحضور، فصدرت بحقه مذكرة توقيف، وبعد ذلك قام «حزب الله» وحليفته «حركة أمل» بالتصعيد والتهديد والوعيد.

والمتابع للقنوات الإعلامية المؤيدة للحزب يستنتج ببساطة أن ما حدث في الطيونة مخطط له بهدف التصعيد، حيث إن المحتجين من «أمل» و«حزب الله» جاؤوا للتظاهر في المنطقة الملاصقة لمناطق يسكنها مسيحيون معظمهم من حزب «القوات اللبنانية»، وبادروا بإطلاق النار في الهواء وتهديد سكان المنطقة عبر استعراض القوة بأسلحة خفيفة ومتوسطة، ثم بدأ تبادل إطلاق النار الذي استمر خمس ساعات وقُتل خلاله سبعة أشخاص، ثم تبادلت الأطراف الاتهامات، خاصة «حزب الله» الذي وجّه الاتهام والوعيد لـ«القوات اللبنانية» مباشرةً على لسان زعيمه حسن نصر الله، الذي على ما يبدو قد تغيرت لهجته هذه المرة، فكان التهديد فيها واضحاً، كما برزت الطائفية المقيتة في كلامه عن باقي الأديان والطوائف اللبنانية، فتارة يهدد بقوة أنصاره ثم تعدادهم والتوازنات الإقليمية، ثم بحرب أهلية.

كان ذلك هو السبب المباشر لأحداث الطيونة، وهناك عشرات الأسباب غير المباشرة، ولنتذكر التاريخ اللبناني، حيث إن هذه المنطقة كانت تشكل فاصلاً بين مناطق المسيحيين والمسلمين، بين عين الرمانة والشياح وغيرهما من الأحياء، حيث إن شرارة الحرب الأهلية (1975 -1990) بدأت من الطيونة، وهذا ما أعاد للسكان ذكريات دامية عن حرب أهلية استمرت 15 عاماً من القتل والدمار بين سكان بلد واحد.

لكن الغريب أن الزعماء أنفسهم لم يتغيروا وسيطروا على البلد وشعبه من جديد. وكشف اللاعب الجديد، وهو «حزب الله»، عن وجهه الطائفي الحقيقي، وعن ولائه التام للخارج وليس للبنان، وعن هدفه متمثلاً في السيطرة على البلد! وإن لم يتم وضع حد لهذا الحزب، والذي ظهر زيف كل ما سبق وأن تشدق به حول حماية لبنان، وكذلك مزاعمه حول سلاحه الذي قال إنه موجه للخارج، والذي سرعان ما استدار ووجه للداخل، وهذا على ما يبدو الهدف الحقيقي لتأسيس هذا الحزب.

مخاطر حرب أهلية في لبنان واقع يعيشه البلد، فـ«حزب الله» الذي بات مسيطراً على كل مفاصل الدولة، لا يتردد في استعراض قوته وتبعيته للخارج، لكن باقي الأطراف لم يعد لديهم الصبر الكافي للسكوت، فبعد اغتيال رفيق الحريري وسلسلة اغتيالات أخرى معظمها بتوقيع الحزب، ثم سرقة لبنان وحجم الفساد الهائل، وربط مصير البلد بمصير الحزب الذي بات قادراً على جر لبنان نحو حروب بالوكالة دون طائل، وطبعاً ليس نهايةً بتفجير مرفأ بيروت بعد تخزين مادة الأمونيوم مجهول الوجهة في مخازن الميناء لسنوات، وشبهات تتعلق بمن أدخل المادة ومن استفاد منها!

كل ذلك أفقد باقي مكونات لبنان قدرتهم على التحمل، فالبلد شبه منهار اقتصادياً، وقد فقد أيضاً مداخيل السياحة بسبب الوضع الأمني المتردي، والشلل الحكومي والفساد جعله غير قادر على تأمين أبسط احتياجات المواطن اللبناني، وهذا بسبب ارتهان البلد لحزب يحمل السلاح ويدين بالولاء للخارج، ويريد أن يشعلها حرباً طائفيةً كي يخلط الأوراق، ويعيد توزيعها بما يضمن له مكانة جديدة قائمة على مفهوم القوة التي قد تضعه في المقدمة، وبذلك قد ينتهي اتفاق الطائف الذي وضع بداية لاستقرار لبنان بعد حرب طويلة.

*كاتب إماراتي