تعتبر فنزويلا أكبر دولة مصدرة للنفط في النصف الغربي من الكرة الأرضية، ولطالما اعتبُرت دولةً مهمة في سوق النفط العالمي وهي تملك أكبر احتياطات نفطية في العالم، وهي حقيقة تبدو غير متوافقة مع الواقع الاقتصادي والسياسي والإنساني للبلاد وهو ما يفسر التنافس العالمي على وضع موضع قدم في الأراضي الفنزويلية من جميع القوى الكبرى في العالم وخاصة الجانب الأميركي والصيني والروسي، وهناك لعبة شطرنج مستمرة للإطاحة بالقوى السياسية التي لا تتوافق أجنداتها مع مصالح تلك القوى والمصالح الدولية للتحالفات المختلفة.
السياسة الخارجية لأميركا نحو أميركا اللاتينية هي قضية مهمة لا ترتبط فقط بالموقع الاستراتيجي والثروات الطائلة، وإنما كذلك بديموغرافيا بعض المدن الأكبر في أميركا والأصوات الانتخابية لهذه الفئة السكانية المهمة، على وجه الخصوص، ومنع المنافسين الاستراتيجيين من التوغل في الحديقة الخلفية للبيت الأميركي والتأثير على إنتاج الطاقة العالمي، وهو ما يجعلنا نتساءل إلى مدى الافتقار إلى البصيرة الاستراتيجية في تحركات السياسة الخارجية للحكومات الأميركية السابقة وآليات تصحيح المسار في الحكومة الحالية، والحاجة إلى مرجعية وأجندة تستند إلى الأولويات السياسية للولايات المتحدة، وليس على خطط نهائية بل ديناميكية تتجه إلى الأمام، ومن شأنها أن تؤدي إلى إزالة نظام وليس أشخاص وتأتي بآخرين في فنزويلا وبما يخدم المصالح الأميركية. 
أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة في واشنطن للتعامل مع ملف فنزويلا بعيداً على الخيار العسكري. فما هي إمكانية إصلاح الضرر الذي تسببت فيه الأنظمة السابقة في فنزويلا والتداعيات طويلة المدى للتدخلات العسكرية غير مباشرة؟ وما هي تكتيكات إدارة بايدن تجاه فنزويلا والأجيال القادمة من الفنزويليين، التي تعتمد على عدم وقوع أزمات كبيرة قد تتسبب في انهيار فنزويلا بالفعل؟ ومن جهة أخرى حدوث مخاطر أمنية ومالية واقتصادية للولايات المتحدة، من الممكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة على مستوى المنطقة إذا لم يتم إيقافها على الفور.
يشكل عدم انهيار فنزويلا وانتشار واسع للجريمة المنظمة وتأثر أنظمة دول المنطقة ككل وظهور حكومة غير موالية لأميركا في فنزويلا أولوية قصوى بالنسبة للولايات المتحدة، كما يصب تحول فنزويلا إلى ديمقراطية قوية في مصلحة الولايات المتحدة بما أنها تبعد 1300 ميل فقط عن فلوريدا، حيث تتمحور مبادرات السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الأميركيتين على وقف سقوط حقيقي للديمقراطية الكولومبية، وزيادة تهريب المخدرات من دول قريبة من الولايات المتحدة للداخل الأميركي كما تؤثر أزمة اللاجئين الفنزويليين تأثير اقتصادي وأمني مهم في المنطقة والولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يقلق الوجود المتزايد لروسيا وإيران والصين في فنزويلا الولايات المتحدة، حيث تمتلك فنزويلا الموارد الطبيعية، من النفط واليورانيوم على حدٍ سواء، ولديها الرغبة في الانخراط في تجارة الأسلحة والتعاون النووي مع الدول التي لا تتوافق مع المصالح الأميركية كما تدين فنزويلا للصين بمليارات عديدة من القروض والاستثمارات، ولدى فنزويلا بدورها نفوذ إقليمي وعلاقة تاريخية سياسية وثيقة مع كوبا ضمن التحالف البوليفاري لشعوب أميركا اللاتينية بجانب انتشار أيديولوجية كوبا في فنزويلا، لتعزيز التكامل السياسي الإقليمي على أساس رؤية الرفاهية الاجتماعية و«مناهضة الإمبريالية».
ومن الصعب على أي قوة عالمية فاعلة تجاهل احتياطي النفط الفنزويلي (25% من الاحتياط العالمي). وتظل فنزويلا دولة تتمتع بالموارد والقرب لتكون شريكًا تجاريًا استراتيجيًا مع الولايات المتحدة، ووجهة مميزة للاستثمارات الأميركية على المدى المتوسط والطويل، ولذلك تدعم أميركا قوى المعارضة الفنزويلية ومفاوضاتها مع حكومة الرئيس مادورا والعقوبات المفروضة على البلاد وملف تنظيم انتخابات رئاسيّة لإنهاء الأزمة السياسية والاقتصادية، علماً أن الدافعين الرئيسيين اللذين سيؤثران على نتيجة الأزمة، هما درجة عدم الاستقرار الداخلي للنظام ودرجة وأنواع الضغط الخارجي أو المساعدة التي يتلقاها النظام من الجهات الفاعلة الدولية الرئيسية. 

كاتب وباحث إماراتي متخصص في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.