من الواضح أن مقاربة الرئيس جو بايدن للسياسة الخارجية الأميركية مختلفة تماماً عن مقاربة سلفه. فدونالد ترامب كان يؤمن أكثر بالتهديدات والعلاقات القائمة على إبرام الصفقات، في حين يُؤثر بايدن الدبلوماسية والعمل مع التحالفات. لكن ما الذي سيغيّره بايدن بخصوص مسألة النزاع الإسرائيلي الفلسطيني على وجه التحديد؟
لأن الرئيس بايدن جاء إلى المنصب وهو يواجه بعض الأزمات الداخلية الكبيرة، وخاصةً وباء فيروس كورونا المتواصل وما نجم عنه من مشاكل تواجه الاقتصاد الأميركي، فإنه لم يكن لديه الوقت أو الميول لبذل جهد كبير في مواضيع السياسة الخارجية. والواقع أن حملتي بايدن وترامب الانتخابيتين خلتا تقريباً من الإشارة لمواضيع السياسة الخارجية، باستثناء الأزمة الأفغانية. ومنذ أن أصبح رئيساً، لم يكشف بايدن بعد عن تفاصيل كثيرة من سياساته الخارجية. صحيح أنه ومسؤوليه الكبار أدلوا ببعض التصريحات، غير أنه ما زالت هناك أسئلة حول كم سيغيّر من تركة ترامب؟ وهذا ينطبق بشكل خاص على الموضوع الفلسطيني الإسرائيلي. 
الرئيس ترامب قام خلال سنواته الأربع في المنصب بعدد من المبادرات الجديدة والمهمة حول الموضوع. ومن الواضح أنه كان داعماً كبيراً لإسرائيل ومعادياً للفلسطينيين أكثر من أسلافه؛ إذ أقدم على خطوات ملموسة مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس ودعم ادعاء إسرائيل السيادة على مرتفعات الجولان. كما أغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن ومكتب الولايات المتحدة في القدس الذي كان يعمل مع الفلسطينيين، وقلّص المساعدة الأميركية للشعب الفلسطيني. 
والأهم من ذلك كله أنه عندما ترشح ترامب لانتخابات الرئاسة في عام 2016، وعد برعاية «صفقة القرن» لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني بشكل نهائي، وفي يناير 2020 قدّم مقترحاً عاماً يؤثّر على الأطراف ويشير إلى ما يرغب في حدوثه. غير أن ذاك المخطط كان في الواقع عبارة عن ورقة تشبه إلى حد كبير رغبات الجناح اليميني الإسرائيلي المتشدد، إذ يقضي بضم معظم الضفة الغربية وجعل «حل الدولتين» مستحيلاً، رغم أن الولايات المتحدة دعمت «حل الدولتين» لعقود. وإذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد رحّب بمخطط ترامب بحرارة وأعرب عن نيته ضم الضفة الغربية، فإن منظمة التحرير الفلسطينية رفضت الفكرة وعبّرت معظم حكومات العالم عن معارضتها لها. وغادر ترامب المنصب بدون أن يطبّقها. 
كل هذه التحركات السياسية من قبل ترامب وإعلاناته بخصوص المسألة الإسرائيلية العربية كانت جديدة. والسؤال الآن هو: هل سيقوم بايدن بالتراجع عنها أم سيقبل بها باعتبارها تعديلات دائمة للسياسة الأميركية؟ بايدن وصل إلى الرئاسة في يناير، ومنذ ذلك التاريخ بدأنا نحصل على بعض الإجابات على هذه الأسئلة. 
وفي الأثناء، تغيّر المشهد السياسي الإسرائيلي. ذلك أن نتنياهو لم يعد رئيساً للوزراء بعد فترة حكم طويلة وغير مسبوقة بلغت 12 عاماً في ذاك المنصب. ففي 2 يونيو الماضي نجح نفتالي بينيت ويائير لابيد في تشكيل ائتلاف حكومي خلف في 13 يونيو حكومة نتنياهو الذي يحاكَم الآن بتهمة الفساد. الحكومة الجديدة تضم حزب «راعم» بقيادة منصور عباس، وهو أول حزب عربي يشارك في الحكومة في تاريخ إسرائيل، ما يشير إلى إمكانية أن يكون ائتلاف بينيت-لابيد أكثر استجابة للمصالح العربية من نتنياهو، من أجل الحفاظ على تماسك الائتلاف. 
غير أن بينيت، الذي سيكون رئيساً للوزراء لعامين إلى أن يتسلم لابيد السلطة منه، كان زعيماً لحركة الاستيطان اليهودية، وسبق أن صرّح بأنه لن يعقد سلاماً مع الفلسطينيين أو يلتقي مع الزعيم الفلسطيني محمود عباس. وهذه كانت أيضاً سياسة نتنياهو. وفضلاً عن ذلك، سمح بينيت بمواصلة الاستيطان في الضفة الغربية، والذي كان يدعمه نتنياهو. لكن من جهة أخرى، أبدى بينيت بعض المؤشرات على تلطيف عداء نتنياهو للفلسطينيين، إذ سمح لوزير دفاعه بيني غانتس بالالتقاء مع محمود عباس، كما سمح لأعضاء آخرين في الحكومة بالالتقاء مع نظرائهم الفلسطينيين. وخفّف الإجراءات الأمنية المشددة في الضفة الغربية، وزاد عدد الفلسطينيين الذين يسمح لهم بدخول إسرائيل يومياً من أجل العمل. 
ماذا عن العلاقات الإسرائيلية الأميركية؟ كان نتنياهو قد نسج علاقات وثيقة جداً مع إدارة ترامب، وحتى قبل ذلك، مع حزب ترامب الجمهوري. وبمساعدة من الجمهوريين في الكونجرس وبتشجيع منهم، مارس ضغوطاً ضد اتفاق أوباما النووي مع إيران، وكان من الواضح أنه يفضّل انتخاب ترامب. ذلك أن حكومة نتنياهو كانت سعيدة بكل ما يفعله ترامب، وقد أصيبت بخيبة أمل واضحة عندما خسر الانتخابات أمام بايدن. لكن رئيس الوزراء بينيت التقى مع بايدن ويسعى الآن لترميم العلاقات وتحسينها مع الحزب الديمقراطي الأميركي. ومن الواضح أنه يأمل في بدء علاقات جديدة مع واشنطن والتعاون بشكل وثيق مع هذه القيادة الأميركية المختلفة. 
ومن جانبه، ردّ الرئيس بايدن بالمثل، إلى جانب وزيره في الخارجية أنتوني بلينكن، معبِّرَين عن دعم قوي لإسرائيل، ولكن غالباً بشكل عام وفضفاض، ومن غير الواضح ما يعنيه ذلك بالضبط. 
وخلال الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، عبّر الرئيس بايدن عن دعمه لجهود «حل الدولتين» لتسوية المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية. وكان يقصد بذلك أنه ينبغي على الإسرائيليين والفلسطينيين التفاوض حول تسويةٍ لخلافاتهما بناءً على قرارات الأمم المتحدة، وأن على إسرائيل أن تنسحب من مناطق الضفة الغربية التي تحتلها. وبالتالي، فإن بايدن يرفض ضمنياً الأساس الذي يقوم عليه مخطط «صفقة القرن» الذي جاء به ترامب، رغم أنه لم يرفضه بشكل صريح.
جوانب أخرى من سياسة بايدن تجاه المواضيع تظل أقل وضوحاً. ولا يسعنا سوى التخمين بخصوص التفاصيل التي لم يكشف عنها بعد. غير أنه يمكن القول بأن بايدن سيواصل على الأرجح المساعدات الاقتصادية والعسكرية بالمستويات التي كان ترامب وقبله أوباما قد وعدا بها. ويمكن القول أيضاً إن بايدن سيدعم الاتفاقات الإبراهيمية التي عقدتها إسرائيل مع أربعة بلدان عربية، عقب مبادرة الإمارات العربية المتحدة. ومن المرجح أيضاً أن يعيد بايدن المساعدات إلى الفلسطينيين بالمستويات السابقة. لكن تظل هذه مجرد تخمينات، ومن المتوقع أن يقوم بايدن بإعلانات مفصلةً بهذا الخصوص عندما يفرغ من مواضيعه السياسية الأكثر استعجالاً. 


دبلوماسي أميركي سابق متخصص في الشرق الأوسط