قي ملف الإصلاح الديني مقفلاً عليه في خزانة المؤسسات الدينية رغم الحرائق ذات المصدر الديني التي اشتعلت في الشرق الأوسط، فقد تعنتت تلك المؤسسات في فتح الخزانة وإعادة النظر في أوراق الملف، حتى صارت الكراهية قُربةً إلى المحبوب، والتطرف من سمات المتقين، والإرهاب جهاد في سبيل الله، والتفكير الظلامي نورٌ على نور! ولقد حاولت جمهرة من المصلحين والمفكرين والمبدعين فعل شيء في ذلك الملف، إلا أنّ تلك الجهود الفردية لم تُحدِث تغييراً يُذكر، فبحثٌ أو كِتابٌ أو برنامج أو فيلم أو مسلسل لا يعطي أثراً كما قد يعطي الأثر لو بادرت المؤسسة الدينية إلى إحداث التغيير بما لها من قدرات وإمكانيات عبر إنجاز منهج تربوي وتعليمي مثلاً، أو أي عمل مؤسسي، فضلاً عن القبول الشعبي للتغيير الذي ينبع منها بالذات، لكنها -أي المؤسسات- اكتفت بإنكار أية صلة لتلك الحرائق بالملف الذي بين أيديها.

والجديد في الأمر أنّ ملف الإصلاح الديني لم يعد حكراً على المؤسسات الدينية بعد أن دخلت على خط الأزمة الدينية شخصيات بحجم رؤساء دول، فمن الواضح أنّ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أخذ ملف الإصلاح الديني على عاتقه، فقد دأب هذا الرجل على الدعوة لذلك الإصلاح عبر تصريحاته في المؤتمرات والندوات، وآخرها كانت مداخلة هاتفية على فضائية «صدى البلد» دعا فيها إلى إعادة صياغة فهم المعتقدات الدينية المتوارثة، إذ لم يعد من المعقول ترك ذلك الملف تحت يد مؤسسات لا يبدو أنها على قدر المسؤولية الملقاة عليها، فالتطرف والإرهاب والعبث بنسيج المجتمعات ومقدرات الدول دليل على الإخفاق في إدارة الملف الديني.

لقد كان في وسع الرئيس المصري ألا يلتفت إلى ملف الإصلاح الديني، فهو في موقع يواجه شاغلهُ تحديات على مدار اليوم والساعة، وعلى مختلف الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية والسكّانية، فضلاً عن أنّ قضية الإصلاح الديني خارج جردة حسابه أمام شعبه، فهي لا تبدو -في الوهلة الأولى- قضية مصرية ملحّة ومصيرية مثل قضية الأمية والتسرّب من التعليم والبطالة والفقر وغلاء الأسعار والزيادة السكّانية.. لكن بالتمعّن نجد أنها تلقي بظلالها على كل القضايا الأخرى. وهو حين يتصدى لملف شائك مثل الإصلاح الديني يعلم أنه يضع يده في عش دبابير الإسلام السياسي التي تطير فرحاً بهذه الفرصة لطرح نفسها حاميةً للدين وبديلةً للسُلطة، وهو الأمر الذي نبّه إليه الرئيس المصري نفسه حين قال إنّ المصلح لا يمكن أن يكون محلّ رضا من الآخرين، لأنّ مهامه تكون عكس المسار الذي تعوّد الناس عليه، لكن كما يقال «لا بدّ مما ليس منه بدُّ».

ومن البديهي أنّ الإصلاح الديني لن يكون على أيدي قادة أو رؤساء دول، لكن يكفي أن يَفتح هؤلاء الخزانة ويُخِرجوا ذلك الملف من سيطرة رجال الدين التقليديين، ومن حالة الجمود الديني الذي طال أمده، ليكون الملف متاحاً للمفكرين والباحثين والمثقفين والمبدعين، وكذلك رجال الدين المتنوّرين، ناهيكم عن مؤسسات الدولة ذات الصلة بالتعليم والثقافة والإعلام، كلٌ يساهم فيه في مجاله بضمانة الدولة نفسها ودعمها وتحفيزها، حتى تخرج إلى النور مبادرات ومشاريع تصلح عقل وضمير إنسان الشرق الأوسط.

* كاتب إماراتي