تسجل بعض البلدان أرقاماً قياسية لحالات الإصابة بكوفيد-19 يومياً. وتتبع دول أخرى قواعد واسعة النطاق لفرض التطعيم. لكن في الدنمارك، تم استئناف الحياة بشكل شبه طبيعي. بعد ما يقرب من 550 يوماً، رفعت الدولة الاسكندنافية آخر القيود المحلية المفروضة خلال حقبة الجائحة، حيث أعلنت أن فيروس كورونا لم يعد يشكل «تهديداً خطيراً للمجتمع».

يبدو أن الدنمارك هي أول عضو في الاتحاد الأوروبي يصدر مثل هذا الإعلان، مما قد يقدم لمحة عن مستقبل تعافي الكتلة –أو بمثابة قصة تحذيرية لدولة اتخذت خطوات سريعة للغاية. وقد أشار قادة البلاد إلى معدلات التطعيم المرتفعة –وهي من بين الأفضل في العالم، حيث تم تحصين 75% من السكان بشكل كامل –كدليل على أن هذه الخطوة مبررة، على الرغم من أنهم لم يزعموا أنه تم التوصل إلى مناعة القطيع. من ناحية أخرى، فإن الدنمارك لديها أيضاً واحدة من أدنى المستويات في أوروبا فيما يتعلق بالإصابات التي تم الإبلاغ عنها عنها حديثاً. واحتفل مسؤول بارز في وزارة الصحة في الدنمارك بالإجراء الذي تم اتخاذه يوم الجمعة الماضي باعتباره بداية «حقبة جديدة تماماً». وقال وزير الصحة «ماجنوس هيونيكي» في بيان: «إنه خطوة مهمة في إدارتنا للأوبئة». وأضاف: «لا يمكن القيام بذلك، إلا لأننا قطعنا شوطاً طويلاً في إطلاق التطعيم، ولدينا سيطرة قوية على الأوبئة، ولأن جميع السكان الدنماركيين بذلوا جهداً هائلاً لتحقيق ذلك».

وبينما ستظل القيود المفروضة على السفر إلى الدنمارك سارية، تعمل الحكومة تدريجياً منذ أسابيع على تخفيف القواعد الداخلية. في الشهر الماضي، تخلت السلطات في الدنمارك عن أوامر ارتداء القناع في كل الأماكن ما عدا المطار. ولن يحتاج السكان بعد الآن إلى استخدام جواز السفر الرقمي الخاص باللقاح لدخول الحانات أو المطاعم أو النوادي الليلية أو الملاعب. واحتفلت افتتاحية صحيفة «بوليتيكن»، وهي واحدة من أكبر الصحف الدنماركية، قائلة: «العاشر من سبتمبر هو يوم خاص، يوم فرح، لقد عدنا إلى طبيعتنا». وفي السويد المجاورة، يدور الحديث أيضاً عن العودة الوشيكة إلى الحياة الطبيعية.

فقد أعلنت الحكومة، التي خضعت لتدقيق شديد بشأن استجابتها المتساهلة نسبياً للوباء، مؤخراً أنها سترفع جميع القيود تقريباً في نهاية الشهر. تقوم دولتان من الدول الاسكندنافية بتخفيف القيود المفروضة عليهما في وقت تتحرك فيه دول أخرى في الاتجاه المعاكس. في بريطانيا، سيتطلب دخول بعض الأماكن المغلقة قريباً إبراز جوازات سفر اللقاح. وفي بروكسل، العاصمة غير الرسمية للاتحاد الأوروبي، سيتعين على المحامين إثبات تلقي التحصين اعتباراً من شهر أكتوبر.

وفي الولايات المتحدة، أصدر الرئيس جو بايدن يوم الخميس قرارات واسعة من شأنها إجبار ما يقرب من 80 مليون عامل أميركي على التطعيم. وتُظهر القواعد الجديدة، مجتمعة، القلق المتزايد بين قادة العالم بشأن الانتشار السريع لمتغير دلتا واحتمال زيادة الحالات في فصل الشتاء كما حدث في العام الماضي. حتى في الدنمارك، شدد مسؤولو الصحة على أن القيود يمكن أن تعود إذا ارتفعت الحالات والاستشفاء مرة أخرى إلى مستويات خطيرة.

وقال وزير الصحة هيونك الشهر الماضي: «على الرغم من أننا في وضع جيد الآن، إلا أننا لم نصل إلى نهاية الوباء». كما حذر من عودة ظهور فيروسات الجهاز التنفسي الموسمية الأخرى، والتي قضت عليها معظم التدابير المتبعة أثناء فيروس كورونا، والتي يمكنها أن تزيد الضغط على نظام الرعاية الصحية.

كانت الدنمارك واحدة من أوائل الدول الأوروبية التي أعلنت الإغلاق الأولي للمدارس والمطاعم وتقيين التجمعات العامة في 11 مارس 2020. ثم بعد أكثر من عام بقليل، كانت من بين الدول الأولى التي طبقت نظام المرور بموجب شهادة التطعيم.

وأشاد العلماء في جميع أنحاء العالم تقريباً أيضاً بالبنية التحتية القوية لاختبارات الفيروس والتتبع في الدنمارك، والتي أعطت السلطات رؤية مبكرة وواضحة لتفشي الأمراض والمتغيرات الجديدة.

قالت «تايرا جروف كراوس»، من معهد «ستاتينز» الدنماركي، في أواخر شهر يوليو: «كثير من البلدان شهدت موجة ثالثة للجائحة خلال فصل الربيع، ولم تكن لدينا موجة ثالثة. أعتقد أن هذا كان بسبب الاختبارات المكثفة».

وأضافت «كراوس»: إنه عندما تم إبلاغ المسؤولين لأول مرة بالمخاطر التي يشكلها «متحور دلتا،» قاموا بتكثيف تتبع الاتصال وعزل واختبار الأشخاص المتصلين بشكل وثيق بالحالات الإيجابية والمعارف الوثيقة لهؤلاء الأشخاص. ومع تلقيح المزيد من الأشخاص، خفضت الدنمارك من قدرتها على الاختبار، لكنها لا تزال تحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث الاختبارات التي يتم إجراؤها لكل فرد. وأشار الخبراء إلى أن الدنماركيين أبدوا استعداداً غير عادي لتلقي اللقاح.

وجدت إحدى الدراسات، التي نُشرت في مجلة «نيتشر» يوم الخميس، واستندت إلى مسح عالمي، أن الدنمارك لديها واحدة من أعلى معدلات المستجيبين الذين قالوا إنهم يعتزمون تلقي التطعيم. وعزت أبحاث أخرى قبول هذا اللقاح إلى مستوى عالٍ من الثقة في المؤسسات العامة. قال مايكل بانج بيترسن، الباحث في جامعة آرهوس والذي قام المشورة للحكومة الدنماركية، إن هذه الديناميكية مسؤولة عن تقدم الدنمارك. وقال حتى لو ضربت موجة ثالثة من العدوى البلاد، فإنه يأمل أن تستمر هذه الدرجة العالية من الثقة في السيطرة على المرض. وكتب «هل سيسير رفع القيود بشكل جيد؟ من يدري. قد تظهر متغيرات جديدة وتعاود القيود الظهور. ومع ذلك، من منظور سلوكي، فأنا متفائل بشأن المستقبل».

* صحفي أميركي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»