تركز أغلب الدراسات والبحوث التي تتناول دور الإعلام الجديد في إدارة الأزمات على وسائل الإعلام التقليدية من صحافة وتليفزيون وإذاعة، فهناك ندرة واضحة في الدراسات التي تتناول دور الإعلام الجديد في إدارة الأزمات خاصة في عالمنا العربي، وربما يرجع ذلك إلى طبيعة الجدل المثار حول سماته ومضمونه من ناحية، ولارتباطه بالثورة التكنولوجية والرقمية التي تشهد تطوراً متسارعاً من ناحية ثانية.
فالإعلام الجديد هو من المفاهيم الحديثة نسبياً، التي أفرزتها الثورة التكنولوجية والذي لم يصل علماء الإعلام والاتصال حتى الآن إلى وضع تعريف محدد له، إلا أن معظم الباحثين في مجال الإعلام يصفونه بـ «إعلام العولمة»، والذي يعرف بأنه سلطة تكنولوجية ذات معلومات معقدة لا تلتزم بالحدود الوطنية للدول، وإنما تطرح حدوداً فضائية غير مرئية
فلا يزال هناك جدل كبير حول طبيعة دور الإعلام الجديد في إدارة الأزمات، فالبعض يرى أنه يؤدي دوراً فاعلاً ومهماً بالنظر لما يتيحه من فرص تسهم في مواجهة الأزمات والتصدي لها، والبعض الآخر يذهب إلى أنه لا يمكن التعويل عليه في إدارة الأزمات، بل إنه في أحيان كثيرة يسهم في تعقيد الأزمات حينما يكون مصدراً للأخبار الزائفة والشائعات التي مصدرها وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي.
الإعلام الجديد بأدواته ووسائله المختلفة يتمتع بإمكانيات هائلة في إدارة الأزمات والكوارث، حيث تستخدم تلك الأدوات في تبادل الأخبار والمعلومات والآراء وتقديم المساعدة وإدامة الروح المعنوية أثناء الأزمات، خاصة إن هذه الوسائل تحظى بالمتابعة من ملايين المستخدمين، وباتت مصدراً رئيسياً للمعلومات والأخبار، ومن ثم يمكن توظيفها بكفاءة في إدارة الأزمات والكوارث من خلال استعانة فريق إدارة الأزمات والكوارث بها لنشر ثقافة طريق التعامل مع حالات الأزمات والكوارث حين وقوعها لأفراد المجتمع.
وبالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، فإن ما يعزز من دور وسائل التواصل الاجتماعي في إدارة الأزمات هو زيادة عدد مستخدمي هذه الوسائل حيث يبلغ عدد الحسابات النشطة على مواقع التواصل الاجتماعي في الدولة، وفق إحصاءات عام 2020، نحو 23.8 مليون حساب، علماً بأن متوسط مدة تصفح مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في الإمارات تصل إلى 4 ساعات و 12 دقيقة يومياً، وهذا يفوق المتوسط العالمي المحدد في ثلاث ساعات و22 دقيقة. ويشير بوضوح إلى تعاظم أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في دولة الإمارات وأنها باتت أحد أنماط الحياة العامة، حيث يتم توظيفها من جانب مختلف المؤسسات في تعزيز التواصل مع الموظفين والجمهور المستهدف، كما يمكن استخدامها بفاعليه في إدارة الأزمات المختلفة.
لقد أصبح الإعلام الجديد أحد أهم أدوات الصراعات بين الدول، وتحول إلى ساحة لاندلاع الثورات ودعمها، بل بات يستخدم في حروب الدعاية المضللة التي تستهدف تشويه رموز وقيادات الدول والتشكيك في مواقفها وسياساتها إزاء مختلف القضايا الإقليمية والدولية، في الوقت ذاته، هناك من يرى أن الإعلام الجديد بات أهم أدوات إدارة الحروب في عالمنا المعاصر من خلال ما يقوم به من بث الإشاعات التي يمكن أن تزلزل أركان دول كبيرة، لهذا فإن من يملك آليات توظيف الإعلام الجديد الذي يعتمد على البنية الرقمية، يكون أكثر قدرةً على تحقيق أهدافه والتأثير في سلوك الفاعلين الآخرين. قد تتحول وسائل الإعلام الجديد إلى مصدر للأزمات وتهديد الأمن الوطني إذا لم يتم ضبطها، ووضع المعايير التي تنظم عملها، ولأجل هذا فإن العديد من دول العالم تعمل باستمرار على إيجاد القوانين الناظمة لعملها، من أجل إجبار مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية على إزالة المحتوى الإرهابي أو تعطيل الوصول إليه في غضون ساعة من تلقي أمر الإزالة من السلطات المعنية.
من جانبها وضعت دولة الإمارات العربية المتحدة معايير وطنية للمحتوى الإعلامي، وخاصة الرقمي، وأهم هذه المعايير: (احترام التوجيهات والسياسات التي تتبعها الدولة على المستوى الداخلي، وعلى مستوى علاقاتها مع الدول الأخرى، وعدم الإساءة للوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي، وعدم إثارة النعرات المذهبية والقبلية، وعدم نشر الشائعات والأخبار المغرضة والمضللة....).
إن تفعيل دور الإعلام الجديد في مواجهة الأزمات يتوقف بالأساس على التعاون مع الجهات المعنية، الرسمية والمجتمعية، وما تتيحه من حقائق وبيانات من ناحية، ووضع المعايير والضوابط التي تنظم عمل الإعلام الجديد، خاصة إن هذه النوعية من الإعلام، وما يرتبط بها من مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، أصبحت في السنوات الماضية من أهم أدوات إدارة الصراعات السياسية بين الدول، حيث يتم توظيفها في شن حملات إعلامية تنال من رموز الدول، وتشكك في مواقفها السياسية وهز اقتصاداتها.
* إعلامي وكاتب إماراتي