يواجه العالم استحقاقاً ملحاً وضاغطاً للتوفيق بين أولوية توفير الغذاء وإنتاجه وتصنيعه وبين حالة النقص الشديد في الماء لأغراض الشرب والاستخدام المنزلي، إضافة إلى الزراعة والصناعة. ويقدم تقرير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، الصادر مؤخراً بعنوان «حالة الأغذية والزراعة»، حقائق وأفكاراً يجب أن تلتفت إليها جميع الأمم وتأخذها بجدية؛ إذ يعيش اليوم 3.2 مليار نسمة في مناطق زراعية ذات مستويات عالية إلى عالية جداً من النقص في المياه أو ندرتها، فيما يعيش 1.2 مليار نسمة من بينهم في مناطق تعاني قيوداً حادةً للغاية متصلة بالمياه. وسوف يتأثر عدد كبير آخر ما لم تُتخذ إجراءات فورية.

وبالطبع فإن النمو السكاني والحضري وزيادة الطلب على الماء لأغراض الزراعة والصناعة، إضافةً إلى التغير المناخي، تؤدي إلى زيادة الطلب على الماء، وفي الوقت نفسه يخشى من تراجع كميات المياه العذبة المتاحة بسبب التصحر ونقص الأمطار.

لم يعد ذلك تقديراً مستقبلياً، ولكنه حالة قائمة وتؤثر على حياة ومصائر مليارات البشر وخاصة في غرب آسيا وشمال أفريقيا، حيث تراجعت حصة الفرد من المياه العذبة بنسبة 30 في المائة، ودخلت المنطقة في حالة ندرة المياه. ومن الحالات التي تثير قلقاً وتحدياً كبيرين تراجع الزراعات البعلية والمناطق الحرجية والرعوية التي تعتمد على مياه الأمطار وتعول نفسها بنفسها من غير جهد أو تدخل بشري كبير. كما إن التطور الحضري وزيادة مستوى التنمية والدخل، عوامل تغير أنماط الحياة على نحو يزيد الطلب على الماء وينشئ تحديات جديدة لأجل تكرير المياه حتى يمكن إعادة استخدامها في الري ولأجل حماية الأراضي والبحار والأنهار والبيئة من التلوث بسبب الصرف الصحي المتدفق إليها.

الفكرة البدهية والتلقائية لإدارة أزمة الماء والغذاء تقوم أساساً على الاستخدام الفاعل لمياه الأمطار والسيول على النحو الذي يمنع الهدر والنزف، وفي الوقت نفسه تكرير المياه بفعالية وكفاءة تجعلها صالحةً لإعادة الاستخدام في الري وغير ملوثة للأرض ومصادر وسيول الماء، وفي ذلك يمكن الاستفادة من الماء المتاح من دون هدره فيظل مصدراً مستداماً للتنمية والبيئة الصالحة للحياة. وتستهلك الزراعة 70 في المائة من المياه العذبة في العالم، ومن شأن ترشيد وتطوير التدابير المستخدمة في الإدارة الزراعية أن يخفض هذه النسبة، مثل استخدام تقنيات الري التي تقلل استهلاك المياه، وزيادة الاعتماد على البحار والأنهار كمصادر للغذاء بديلة أو إضافية للحوم ومنتجات الألبان، كما يستحوذ رعي المواشي على 14 في المائة من الأراضي، ويمكن بإنتاج الغذاء والأعلاف والعناية بصحة الحيوانات وتغذيتها تقليل اعتمادها على المياه الطبيعية والمراعي التي تتعرض للتآكل والهشاشة والتعرية بسبب الرعي ولا تعود مصدراً للغذاء.

وتشير التقديرات إلى أن نسبة 41 في المائة من الاستخدام الحالي لمياه الريّ في العالم يحصل على حساب البيئة. ومن الضروري النظر بأهمية إلى الاعتبارات البيئية في الزراعة والصناعة حتى تظل الأرض مصدراً صالحاً للماء والغذاء وحتى لا تتلوث مصادر المياه التي تتجه إلى الندرة. يجب ألا ننتظر كما يقول بنجامين فرانكلين أن تجف البئر حتى ندرك قيمة الماء ونفكر في تدبيره وحمايته، وفي وسعنا اليوم أن نستبق لحظة نقص الماء والغذاء بتدابير وسياسات عملية وتكنولوجية لا تحمي المصادر المائية فقط بل تفعّلها وتزيدها.

*كاتب أردني