قررت الحكومة الهندية إلغاء قانون كان يفرض على الشركات ضرائب بأثر رجعي، مما أدى إلى عدة نزاعات قانونية تبلغ قيمتها مليارات الدولارات. ولا شك أنها خطوة جيدة ستساعد على تحسين مناخ الأعمال في البلد الواقع جنوب آسيا وستكون تصحيحاً مطلوب للمسار. 
الخطوة من المتوقع أن تساعد الحكومة على التخلص من دعاوى قانونية رفعتها شركات مختلفة مثل «فودافون» و«كيرن إنيرجي»، ضد مطالبات بالضريبة بأثر رجعي. كما من المتوقع أن تساعد على طمأنة المستثمرين الذين ما زالت لديهم تخوفات بشأن استقرار البيئة التنظيمية بسبب الاعتماد المفاجئ لهذا القانون. وقد رفعت الحكومة «مشروع (تعديل) قوانين الضرائب» 2021 إلى البرلمان، والذي يلغي الضريبة بأثر رجعي على التحويل غير المباشر للأصول الهندية قبل مايو 2012.
وكان قانون الضرائب بأثر رجعي قد أُدخل في عام 2012 من قبل الحكومة الائتلافية السابقة التي كان يقودها «حزب المؤتمر». واعتُمد وسط تحفظات كثيرة داخل الحكومة في ذلك الوقت بينما ذهبت المعارضة حينها إلى حد وصفه بـ«الإرهاب الضريبي»، لكنه أُدخل بشكل مفاجئ، مما أثار خوف المستثمرين الأجانب وأرخى بظلال من الشك على استقرار البيئة التنظيمية للهند. وكان يُنظر إليه باعتباره تشريعاً جد مثير للجدل، وقد ظل مهيمناً على الخطاب حول مناخ الاستثمار في البلد منذ ذلك الوقت. وعندما وصلت حكومة ناريندرا مودي إلى السلطة، أعلنت أنها لا تعتزم تطبيق القانون، لكنها لم تذهب إلى حد إلغائه. كما ورثت الحكومة كل النزاعات القضائية التي تفجرت بسببه في وقت لجأت فيه شركات كبرى إلى القضاء من أجل رفع دعاوى ضد المطالبات بالضريبة تصل قيمتها إلى المليارات، بسبب تطبيق الضريبة. 
إن تعديل هذا القانون يُنظر إليه الآن على أنه يعالج تخوفات المستثمرين الأجانب ويحسّن ثقة المستثمرين بشكل دراماتيكي، إذ من شأنه أن يساعد على تسوية 17 نزاعاً على الأقل تتعلق بمدفوعات ضرائب تتجاوز 500 مليار روبية. وكانت المطالبات بالضريبة بأثر رجعي قد أدت إلى قضيتين استأثرتا باهتمام كبير من وسائل الإعلام مع «فودافون» و«كيرن إينيرجي». ويمثّل تعديل القانون الآن طريقة للإفلات من أحكام قضائية صدرت ضد الحكومة في محكمتين دوليتين على خلفية الضريبة بأثر رجعي. ففي الشهر الماضي، سمحت محكمة فرنسية بتجميد 20 مليار دولار من ممتلكات الحكومة الهندية في باريس لتنفيذ حكم بـ1,2 مليار دولار لصالح شركة «كيرن إينيرجي بي إل سي» النفطية البريطانية. وفي قضية أخرى، فازت شركة «فودافون» التي كانت تعاني من ضغط مالي، في دعوى رفعتها لدى محكمة دولية حكمت بأن مطالبة السلطات الهندية لـ«فودافون» بضرائب بقيمة ملياري دولار تعتبر غير قانونية. 
هاتان القضيتان يُنظر إليهما على أنها كانتا وراء قرار الحكومة الأخير بتعديل قانون الضرائب بأثر رجعي. وقالت وزيرة المالية الهندية إن حزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم لا يؤمن بالضريبة بأثر رجعي، وإن إلغاءها التزام من قبل الحزب وحكومته. لكن الواقع هو أن هذا القانون، والذي يشكل تهديداً للمستثمرين، كان كافياً للإضرار بمناخ الاستثمار. بيد أن الطريق إلى الأمام ليس خالياً من العراقيل. فوفق التغييرات المقترحة، فإن المطالبات الضريبية التي صدرت ستُسحب شريطة تعهد بسحب الدعوى القضائية وتعهد آخر بعدم رفع أي دعوى أخرى مستقبلا. ويتعين الآن على الشركات التي من المحتمل أن ترغب في تسوية هذه النزاعات بشكل ودّي اكتشاف الإجراءات والشروط. إلا أنه من غير الواضح ما إن كانت الشركات التي فازت أصلا في قضايا بتّت فيها محاكم دولية، ستوافق على هذه الشروط. 
أما المشكلة الأخرى التي يتوقعها الخبراء، فهي إعادة الضرائب التي تمت جبايتها. فهل ستتم عملية إعادة الضرائب بالروبية الهندية، علماً بأن دافع الضرائب الأجنبي، في هذه الحالة، قد يتلقى مبلغاً أصغر بكثير بالدولار نظراً لمعدل الصرف الحالي مقابل معدل الصرف الذي كان معتمداً في الوقت الذي تمت فيه جباية الضرائب؟ 
وعلى أي حال، فإن تعديل القانون يأتي في وقت ملائم. فالقرار يأتي في وقت تضرر فيه الاقتصاد الهندي كثيراً جراء وباء فيروس كورونا، على غرار اقتصادات أخرى حول العالم، إذ انكمش بـ7,3 في المئة في السنة المالية 2020-2021. وفي الوقت الحالي تُبذل جهود كبيرة من أجل إعادة إحياء الاقتصاد، إذ تسعى الحكومة لجذب استثمارات أجنبية إلى الهند في وقت تسعى فيه الحكومات لتنويع سلاسل التوريد. وهذا يُظهر أن الحكومة ستكون مرنةً في وقت تنكبُّ فيه على المهمة الصعبة المتمثلة في دفع الاقتصاد المتضرر نحو النمو جراء وباء «كوفيد-19»، وأنها مستعدة لتبني نظرة براغماتية تجاه المواضيع التي تثير تخوفات المستثمرين الأجانب. 
والآن، ومع رحيل الضريبة بأثر رجعي، يمكن أن ينتقل الاهتمام إلى الإصلاحات التي كانت تَعد بها الحكومة من أجل دفع الاقتصاد. وهذا يشمل خطوات مثل التحفيزات المرتبطة بالإنتاج. وبالنظر إلى أن الهند والهنود يعلّقون آمالهم على جلب مشاريع عملاقة أجنبية إلى البلد، من أجل جعل الهند البديل الموثوق للصناعة في العالم، فلا شك أن إلغاء هذا القانون سيكون مفيداً في دفع الهند للبحث عن نقاط قوتها الكامنة. 

رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي