تصوّر ساحة معركة في منطقة صحراوية، تحمل ندوب سنوات من الحرب. جنود يسرعون في الفرار، بينما عدوه مقبلٌ يتقدم. وعشرات الطائرات الصغيرة من دون طيار، التي لا يمكن تمييزها عن الطائرات المسيَّرة التي يستخدمها الهواة والمخرجون السينمائيون، تنزل بأزيزها من السماء، مستخدمة كاميرات لمسح التضاريس وحواسيب مدمجة على متنها لتقرر بنفسها ما يبدو أهدافاً. وفجأة تشرع في قصف الشاحنات والجنود، ثم تنفجر عند ملامستها الأهداف متسببة في قدر أكبر من الهلع والارتباك. 
هذا ليس ضرباً من ضروب الخيال العلمي ولا تخيلاً للشكل الذي ستكون عليها حروب المستقبل، بل مشهد حقيقي حدث بالفعل الربيع الماضي، في الساحة الليبية، حيث تم استخدام الطائرات من دون طيار التي تستطيع أن تشتغل من دون تحكم بشري، وقامت بمطاردة الجنود. 
وتُعد الطائرات من دون طيار، أو الطائرات المسيَّرة، أو «درون»، جزءاً من الحرب منذ سنوات؛ ولكنها كانت بشكل عام من النوع الذي يتم التحكم فيه عن بعد من قبل البشر. واليوم، ومن خلال دمج البرامج الحاسوبية المتاحة الخاصة بالتعرف على الصور وخاصية الطيار الآلي، بات بالإمكان إنتاج طائرات من دون طيار مستقلة بأعداد كبيرة وبكلفة منخفضة. 
واليوم، تحظى الجهود الرامية إلى فرض حظر تام للأسلحة المستقلة القاتلة، والذي لطالما طالب به نشطاء حقوق الإنسان، بدعم 30 بلداً. ولكن القوى العسكرية البارزة في العالم تؤكد على أن ذلك ليس ضرورياً، إذ يقول الجيش الأميركي، على سبيل المثال، إن التخوفات مُبالغ فيها وإن البشر يستطيعون السيطرة فعلياً على الأسلحة المستقلة، هذا في حين تقول الحكومة الروسية إن أسلحة ذكاء اصطناعي حقيقية لا يمكن حظرها، لأنها أصلاً غير موجودة بعد. 
ولكن الحقائق على أرض الواقع تُظهر أن التطورات التكنولوجية، إضافة إلى النزاعات المعقدة مثل الحربين الأهليتين السورية والليبية، خلقت واقعاً تقتل فيه الأسلحة التي تتخذ قراراتها بنفسها الناسَ.
وتقول «إينفيلد بود»، الباحثة المتخصصة في الأسلحة المستقلة بجامعة «ساذرن دانمارك»:«إن النقاش، بشكل عام، مازال موجهاً نحو المستقبل»، مضيفة «ينبغي أن نلقي نظرة أدق على ما يحدث». 
والواقع أن ليبيا ليست المكان الوحيد الذي استُخدمت فيه طائرات من دون طيار تستطيع القتل بشكل مستقل العام الماضي. فتركيا استخدمت الطائرات من دون طيار نفسها من أجل القيام بدوريات مراقبة على طول حدودها مع سوريا. وعندما غزت أذربيجان الأراضي التي تحتلها أرمينيا في سبتمبر الماضي، أرسلت «ذخائر متسكعة»، وهي عبارة عن طائرات من دون طيار تستطيع القيام بدوريات مراقبة فوق منطقة معينة بشكل مستقل وقصف إشارات رادار العدو بشكل أوتوماتكي. هذه الأسلحة تشبه في شكلها نسخاً صغيرة من الطائرات من دون طيار التي يتم التحكم فيها عن بعد، والتي استُخدمت كثيراً من قبل الجيش الأميركي في العراق وأفغانستان وحروب أخرى. غير أنه بدلاً من إطلاق صواريخ من خلال التحكم عن بعد، تمتلك «الذخائر المتسكعة» مادة متفجرة مدمجة، وتدمر نفسها لدى ارتطامها بهدفها. 
وبالنظر إلى أنها تمتلك قدرة مستقلة وقدرة التحكم عن بعد، فإنه من المستحيل أن يعرف المرء من الخارج ما إن كان البشر قد اتخذوا القرار الأخير بخصوص قصف أهداف فردية. وفي كلتا الحالتين، فإن الطائرات من دون طيار دمرت الجيش الأرميني، وانتهت الحرب بعد شهرين بسيطرة أذربيجان على مناطق واسعة من الأراضي. 
هذه الأنواع من الطائرات أخذت تنتقل بخطى واثقة الآن إلى الاستخدام الواسع. فاليوم، هناك عشرات المشاريع من قبل عدة حكومات لتطوير «ذخائر متسكعة»؛ وحتى في الوقت الذي تشارك فيه بلدان، مثل الولايات المتحدة وروسيا في مباحثات حول اتفاقية تحد من الأسلحة المستقلة، فإن تلك البلدان نفسها تتسابق من أجل تطويرها. 
ويقول «بيتر أسارو»، الأستاذ بجامعة «ذا نيو سكول» في نيويورك وأحد مؤسسي «اللجنة الدولية لمراقبة أسلحة الروبوتات»، التي تدعو إلى قواعد أكثر صرامة بخصوص الأسلحة المستقلة القاتلة: «إن الجيوش المتقدمة أخذت تتخطى الحدود المسموحة بخصوص هذه التكنولوجيات»، مضيفاً «وهي ستتكاثر بسرعة». 
وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد أصدرت في 2012 قواعد بخصوص الأسلحة المستقلة، تطالب فيها بـ«السماح للقادة والمشغِّلين بممارسة مستويات مناسبة من التقدير البشري». 
وعلى الرغم من أن اتفاقية عالمية ملزمة تقيّد الأسلحة المستقلة تبدو مستبعدة، إلا أن حقيقة أن الحكومات وشركات الأسلحة تؤكد أن البشر سيظلون متحكمين فيها تُظهر أن الوعي بالمخاطر يزداد، كما تقول ماري ويرهام، المديرة في منظمة «هيومان رايتس ووتش» التي قادت لسنوات «حملة وقف الروبوتات القاتلة»، وهو جهد دولي للحد من الأسلحة المستقلة. 
وعلى غرار الألغام الأرضية والأسلحة الكيماوية والقنابل النووية، فإنه ليست هناك ضرورة لأن يوقع كل بلد اتفاقية حتى يقر العالم بأن استخدام مثل هذه الأسلحة يمثل تجاوزاً للخط الأحمر، كما تقول «ويرهام». فمع أن الولايات المتحدة رفضت التوقيع على حظر ضد الذخائر العنقودية عام 2010، فإن الجدل حول الأسلحة دفع الشركات الأميركية إلى التوقف بشكل طوعي عن صنعها. 

جيريت دي فينك
صحافي متخصص في شؤون التقنية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»