الحركة والحراك هما سر الحياة. وعندما تتوقف ذرات المادة عن الحركة، تتوقف الحياة. والأمر الحيوي هنا إذاً هو الاستمرار في الحركة إلى أطول مدة ممكنة، وحتى في الاستكانة والراحة لابد أن تظل الخلايا تنبض بالحياة. 

وفي السياسة والعلاقات الدولية الحركة خيار يفرق بين من هو في المقدمة ومن يحاول اللحاق بهم أو إبطاء مسيرتهم بكل الوسائل المتاحة والممكنة، بغض النظر عن الجانب الأخلاقي والضمير، وهي معطيات ليس لها مكان في حيز العلاقات بين الدول إلا على مستوى ضيق جداً، وبالتالي هناك أحداث قد تحصل في دول المنطقة، وهي مؤشر واضح على طبيعية البيئة الأمنية الإستراتيجية وفيها يتم استهداف الدول والمؤسسات والأشخاص بهدف النيل من الاستقرار واستمرار التنمية والأمن والازدهار الاقتصادي والسمعة والمكانة وفق وتحركات مصممة، لتبعث رسائل فيها مغالطات ليس لها نهاية بغرض زرع الشك وعدم الثقة في قدرة تلك الدول على حماية وتأمين أراضيها من ضربات توجه لها في الداخل، وهو أمر يحدث طوال الوقت في كل أرجاء المعمورة، وهو جزء غير مستغرب في البيئة الجيوستراتيجية لمختلف التقسيمات الجغرافية في العالم. وتحدث تلك النزاعات والمناوشات والتحركات والتكتلات السرية وغير السرية على المستوى «النانو أمني»، إلى مستوى «التسونامي» الأمني، وذلك بوتيرة شبه يومية، وإنْ كانت لا ترصد معظمها من قبل الشارع.
فاليوم هناك قواعد جديدة للعبة الجيوسياسية، وتحول في دفة الحروب من الميدان العسكري إلى صراعات لا تسيل فيها دماء، ولكن تضرب من خلالها ركائز اقتصادات دول أو نظامها الصحي أو العبث بأهم موارد الحياة لديها، وذلك كحروب الاستثمار في الموانئ، والتي تخدم غرضاً اقتصادياً تجارياً وآخر عسكرياً وأمنياً واستخبارياً، وتشكل خط دفاع وردع أول للمنافسين الإستراتيجيين، وحروب إغراق الأسواق وتعويم العملات والتجويع والحرمان التقني واحتكار مداخل ومخارج البحوث المتقدمة.
وقد ظهرت، على سبيل المثال، منظمات اقتصادية وقوى عسكرية جديدة، مثل بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، وهو أكبر سوق على هذا الكوكب، واختلاط الشركات الاقتصادية بالأمنية وسياسة نشوء مصطلح حليف الموقف؛ أي أن تتحالف دولتان أو أكثر أو دولة مع منظمة أو حلف، وخلط الأوراق في تحالفات متشابكة معقدة وبسيطة حيال قضية ما أو موقف ما، وينتهي هذا التحالف بانتهاء الموقف في خضم بيئة استراتيجية لها سمات تعد انعكاساً مباشراً للطبيعة البشرية المبهمة والمتقلبة والمضطربة بالمقام الأول، وكذلك طبيعة العلاقات الدولية، التي لا يوجد بها ثوابت دائمة ويسودها عدم اليقين والغموض والتسارع في الأحداث، وحتمية التنافسية والتضارب في المصالح وعدم الالتقاء عند نقاط تلاقي مصالح معينة.
وعليه فإن صعوبة التوافق طوال الوقت، والخلاف على ما هي أفضل الظروف، التي تخدم غاية جهة مقابل غاية وأهداف الجهة الأخرى هو الطبيعي، بينما الانسجام التام هو السباحة ضد التيار الطبيعي للعلاقات الدولية المعاصرة.
وجوهر السياسة المعاصرة هو الصراع الجيوسياسي على المجال الحيوي للدول والموارد الطبيعية والمُصنعة وتأمين الممرات وسلاسل الإمداد وخطوط الملاحة البرية والبحرية والجوية وفرض القيم والأفكار والتوجهات الكبرى والتحكم بالبيانات والمعرفة الخاصة. ويتساءل الباحثون والمختصون: هل ستعيد جائحة كورونا تشكيل المشهد الدولي، وتكون فرعاً جديداً في الجغرافيا السياسية؟ وهل سيشهد العالم تغيرات جيوسياسية كبيرة ويتحول صراع الهيمنة لصراع تجاري وعلمي وتكنولوجي وصراع أمني خفي تخوضه الدول بعيداً عن أراضيها لتفرض نفوذها بالوكالة؟ وهل تتجه الأمور، ضمن مراجعات في السياسة الأميركية إلى إعادة توجيه الموارد من الشرق الأوسط إلى آسيا؟ وهي رسائل التقطها بعض اللاعبين الرئيسين في المنطقة بالخطأ لكون ما يحدث في المنطقة هو تأصيل النفوذ الأميركي- الصيني بطرق غير تقليدية ومجرد عملية إعادة تمركز والطريق وما يحمله الطريق إلى مناطق النفوذ في آسيا وأفريقيا يمر من هنا.