سال مداد الكاتب اللبناني سمير عطا الله ردّاً على وزير خارجية بلاده، الذي قال عن الخليجيين في حوار تلفزيوني إنهم «أهل البدو»، ظناً منه أنه يقلّل من شأنهم بذلك. فقد نشر عطا الله سلسلة مقالات ما تزال مستمرة، اختار لها عنوان «خواطر في الصحراء»، فثمة نظرة فوقية للصحراء من بعض الفاشلين، رغم أنّ أهل الصحراء شيّدوا دولاً حديثة قفزت إلى مصاف دول العالم المتطور، وأصبح البون بينها والدول العربية الأخرى شاسعاً كالصحراء.
عرف الكاتب المنطقة منذ عام 1963، ويتذكّر رحلاته الأولى إليها على متن طائرة إنجليزية لا تستوعب إلا 12 راكباً، وفي إحداها -قاصداً دبي- أبت العجلات على الاستجابة حتى تخطت الطائرة سياج المطار، وهو إلى جانب راكب مصري يشدّان أزر بعضهما بعضاً.. وفي رحلته الأخيرة إلى دبي على متن البوينغ، غفا وأفاق على صوت الطيار يعلن الهبوط. ورغم أنه صار له ورك اصطناعي، فلم يطلب كرسياً متحركاً، فهو يصل لمن يحتاجه من دون طلب، كما تصل عقارب الساعة من دون طلب.
وهذه الرحلة الأولى للكاتب خارج لبنان منذ وباء كورونا، وهو يدعو ألا تكون الرحلات إلى دبي مباشرة، وإنما إلى أي مكان قبلها، ذلك أنّ الصدمة الثقافية قد تطيح بالقادم من عصر ما قبل الحداثة، حتى إنه لم يعد يمارس لعبة المقارنة بين لبنان ودبي، ولم يعد يبحث عن دبي بين الرمال من نافذة الطائرة، وإنما يبحث عن الرمال في دبي. 
ثم يقول إنّ ما يُعرف الآن بـ«الخليج» هو من أهم تجارب العمران على مرّ السنين، ذلك أنه عند استعادة هذه التجربة اليوم ووضعها في نطاقها، وقد كانت في بداياتها موضع سخرية بعض العرب، فسوف تتوقف طويلاً عند هذا البنيان الهائل في الرمال، فـ«تجربة الخليج في أي حساب، على أي مقياس، بأي مقارنة، تفوق جميع التجارب العربية».
و«بينما كانت الإذاعات تلعلع عن البترول والإمبريالية، كان البدو بكل هدوء يتملكّون نفطهم. وفيما كان الثوريون يصرخون في وجوه الخليجيين«نفط العرب للعرب»، كانوا هم أول وآخر من استخدم سلاح النفط باسم العرب، رغم أنه لم يقل أحد ذات يوم«ماء العرب للعرب.. قمح العرب للعرب.. مدارس العرب للعرب». 
لذلك، «وأنت تنظر الآن إلى هذه التجربة العمرانية، يجب أن تضع في حسابات القدرة والصبر والبداوة، ما تعرض له الخليج منذ ظهور «الزيت» إلى حروب وتحريض وحرائق وقصائد فارغة وعمليات نصب وتهديد واحتيال». 
ويعلّق عطا الله على من ينسب التجربة الخليجية إلى المنّة الإلهية، فيقول (مشيراً إلى النفط) إنه تفجّر كذلك في العراق وسوريا وليبيا والجزائر.. ثم ما هو سبب الفارق المريع بين الدول النفطية وبين بلد مائي مثل دبي؟ ولماذا يكون فرع جامعة هارفارد في دبي وليس في بغداد؟ ولماذا تهدد أعرق الجامعات في لبنان بالإغلاق، بينما يتخرج الخليجيون بالآلاف من أهم جامعات العالم؟ وماذا عن فنزويلا البلد النفطي، والتي لديها خطباء مبدعون وصور تذكارية مع أحمدي نجاد وسجل خاص بالزوّار العرب من حلف الممانعة. لكنها تفتقر إلى الخبز والطحين وزيت الوقود، وإلى عملة يقبل التعامل بها في أي مكان في العالم.