لبنان الذي كان جميلاً بات مستقبله في مهب الريح بعد سلسلة الانهيارات الدراماتيكية المتلاحقة التي تحدث فيه على جميع المستويات والأصعدة، سياسياً واقتصادياً وصحياً وخدماتياً، والأهم من ذلك إنسانياً. فشعبه يئن تحت وطأة الأزمات الطاحنة والمتلاحقة التي أوصلته إليها حكوماته، تلك التي لم تضع مصلحة الوطن والمواطن أولاً، وبسبب السياسات المتبعة فيه واختطاف قراراه الداخلي من قبل جهة محددة، أصبح الأشقاء والأصدقاء ينفضّون من حوله الواحد تلو الآخر في ظل غياب الحكمة في طريقة التعاطي معهم، وبالرغم من كل الخسارات التي وصل إليها لبنان، فلا يزال الانقسام بين ممثلي الطوائف يزداد حدة فيما بينهم، ليس منذ سنوات قليلة مضت، إنما منذ أول رصاصة أُطلقت فيه في منتصف السبيعينيات.
خسر لبنان الكثير وما يزال يخسر وبما لا يمكن مقارنته مع دولة عربية أخرى، كما دخل في أتون معركة طويلة استنزفت وتستنزف شخصيات مهمة من أبنائه، وكذلك اقتصاده الذي يمكننا اعتباره منهاراً، وسمعته التي تتهاوى، والمؤسف أن لا حل سريعاً يلوح في الأفق ينقذه مما هو فيه الآن.
انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020 كان انفجاراً سياسياً بالمعنى الحرفي للكلمة، تلته عدة انفجارات في عدة قطاعات تكاد من شدتها أن تشوه المشهد كاملاً، إلى درجة أن سعد الحريري رئيس الوزراء المكلف لم يستطع حتى هذه الساعة تشكيل الحكومة، الأمر الذي جعله يلمّح إلى الاعتذار عن مواصلته العمل في تلك المهمة. كل ذلك يحدث، ولبنان يواصل سقوطه في هاوية يبدو أن لا قرار لها.
بعد انفجار المرفأ زار لبنان عدة مسؤولين، وهدفهم واحد، وهو وقف الانهيار السريع الذي يحدث. ورغم اتفاق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع قادة الأحزاب والكُتل السياسية، إلا أن أغلبيتهم أخلّوا بعهودهم، ثم جاء وزير خارجيته جان إيف لودريان، لكنه هذه المرة مهدداً بأن بلاده ستطبق عقوبات على عدة سياسيين لبنانيين يعرقلون تشكيل حكومة جديدة، وأعقبه الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة جوزيب بوريل إلى بيروت الذي أراد الضغط لإنهاء الفراغ الحكومي تحت طائلة فرض عقوبات على شخصيات تعيق أي تقدم. وفي الأسبوع الماضي عرفنا أن تحركاً أميركياً سعودياً فرنسياً جديداً سيبدأ، ونتطلع أن ينجح هذا التحرك في مسعاه لإنقاذ لبنان مما هو فيه، ومن المأساة التي يعيشها أبناؤه، ذلك أن الحقائق الموجودة على الأرض مفزعة وصادمة، وهي لا تنبأ على الإطلاق بما يسرّ ولو قليلاً.
إن استمرار تدهور الليرة إلى مستويات غير مسبوقة في السوق السوداء، وعدم حصول اللبنانيين على أموالهم المودعة في البنوك اللبنانية، والنقص الحاد في الأدوية والوقود، مع ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وغيرها من الأزمات التي يعاني منها المواطن اللبناني، دفعت المتظاهرين مؤخراً إلى محاولة اقتحام فروع البنك المركزي في مدينتي طرابلس وصيدا، وإضرام النيران في مدخل مبنى حكومي، وقطع الطرق وإشعال الإطارات فيها، ومع ذلك لم يتغير أي شيء نحو الأفضل، بل لا يزال الكابوس رابضاً على صدور اللبنانيين.
لبنان - اقتصادياً - اليوم مصنّف ضمن قائمة الدول العشر الأسوأ عالمياً، كما أنه يشهد ثالث أسوأ ظاهرة اقتصادية مرت بها الدول منذ عام 1850، وتقرير البنك الدولي الأخير يؤكد أن أكثر من نصف الشعب اللبناني يعيش تحت خط الفقر، وأن الانهيار لم يطل الناس فقط، بل كافة المرافق والخدمات. يحدث كل هذا بالتزامن مع انتشار فيروس كورونا ووصول النظام الصحي إلى الحضيض، وتسجيل نسبة تزيد على 30% من الأطفال اللبنانيين الجوعى. يحدث ذلك على مرأى من العالم وتعامٍ من السياسيين اللبنانيين الذين أمرضوا لبنان حتى النخاع.