برغم أن اللقاء الأخير بين الرئيس الأميركي بايدن، ونظيره الروسي بوتين كان مدخلاً لإمكانية أن يحدث التوافق في بعض الملفات، مع إفساح المجال أمام مراجعات سياسية إقليمية ودولية في القضايا محل الخلاف، إلا أن كل الشواهد الأخيرة تشير إلى أن واشنطن وموسكو ستمضيان في خيار المواجهة. ربما يبدو التقارب مستبعداً علي الأقل في الوقت الراهن، خاصة مع إعلان «جيك سوليفان» مستشار الأمن القومي الأميركي أن الولايات المتحدة تعد سلسلة من العقوبات الجديدة على موسكو علي خلفية اتهامها بمحاولة تسميم المعارض الروسي أليكسي نافالني، ما قد يطال المسؤولين الروس الجدد، وهذا يشير إلى أن الإدارة الأميركية ماضية في نهجها التصعيدي مع إدراكها بأن روسيا لن تهدأ، بل قد تُصعد في مناطق النفوذ المشتركة.

الرسالة الروسية للإدارة الأميركية أنه مع كل تدخل في الشأن الروسي سيصاحبه إجراءات مقابلة تنذر بالتصعيد في كل ما هو موضع اهتمام مشترك. وربما هذا ما يجري الآن خاصة مع احتمالات دخول روسيا والاتحاد الأوروبي على الخط بما سيقسم المنظومة الدولية.

وفي المقابل ستتحرك روسيا في إطار مناكفة الولايات المتحدة عبر الملفات الإقليمية الشرق أوسطية مع إيران وفي سوريا، بل وفي قضية الصراع العربي- الإسرائيلي إضافة إلى مسعى روسيا لمواجهة التحركات الأميركية النشطة في آسيا، من أجل تطويق السياسات الصينية، التي لا تقل خطورة عن التحركات الروسية، خاصة مع إدراك الولايات المتحدة أن إعادة التقسيم والنفوذ مع روسيا لن يحل الإشكالية الكبرى في النظر إلى الخطر الروسي أنه مهدد للأمن القومي الأميركي، والذي يتطلب التعامل معه، وعدم تركه يتفاعل بحثاً عن دور حقيقي في قضايا العالم. تدرك الإدارة الأميركية أن حجم التشابك في العلاقات السياسية والاستراتيجية مع روسيا يتطلب إجراءات منضبطة لا تتجاوز الخطوط الحمراء خاصة في اتفاقيات السلاح، والاتفاقيات الثنائية في مجال ترتيبات الأمن العالمي، والتي ينخرط فيها الجانبان، وأي خروج عما هو قائم قد يؤدي لتداعيات مكلفة وكبيرة على المصالح الأميركية في وقت تسعى فيه للعودة لقيادة العالم، والالتحاق بالتطورات الدولية التي أهملتها إدارة الرئيس السابق ترامب، ومن ثم فإن الأمر يقتضي تحركات مباشرة وإجراءات عاجلة دون التورط في مواجهات مباشرة، خاصة أن روسيا لديها أوراق ضاغطة بالفعل يمكن لها التعامل معها مباشرة، بل والتحرك على مسارات بديلة قد تزعج الولايات المتحدة، خاصة في الملف النووي الإيراني، وهو ما قد يكون مقدمة لمناكفات قد تطول في حال الفشل في التوصل لاتفاق مستقر، خاصة بعد تولي الرئيس الإيراني الجديد.

كما أن التدخل الأميركي في منطقة القوقاز، أو في آسيا الوسطي سيقابل بسلوك روسي تصعيدي، حيث لا يوجد هنا مجال لخيارات باعتبار هذا الأمر خطاً لا يمكن للولايات المتحدة تجاوزه، أو التحرك فيه لاختبار أو مناكفة روسيا، والتي لن تتوانى عن ممارسة دور مقابل قد تدفع فيه الإدارة الأميركية ثمناً باهظاً في إطار لعبة المقايضات الكبرى التي تتحرك فيها الإدارة الأميركية، وتريد العمل بها مع محاصرة النفوذ الروسي، وهو أمر غاية في الصعوبة في ظل الوجود الروسي في بقاع ومناطق نفوذ تاريخية، وفي ظل قيادة الرئيس بوتين الذي يملك نسقاً محدداً تجاه الإدارة الأميركية الراهنة.

وبالتالي ستظل العلاقات الأميركية الروسية في مرحلة التوتر، ولن تدخل أية مرحلة من التقارب في ظل التعنت الأميركي بتكريس سياسة العقوبات على موسكو.

* أكاديمي متخصص في القضايا الاستراتيجية والعلوم السياسية.