انفضت الانتخابات الإيرانية دون مفاجآت مع نجاح إبراهيم رئيسي الذي يحظى بمباركة أصحاب القرار والنفوذ والمرجعيات الدينية ليكون الرئيس الثامن في تاريخ الجمهورية التي أسسها الخميني. الرئيس المنتخب أكد رغبته في تحسين العلاقات مع دول الجوار، وحدد أولويات برنامج السياسة الخارجية الإيرانية خلال الفترة المقبلة، والتي يتصدرها موضوع تحسين العلاقات مع دول منطقة الخليج العربي، فلا عقبات موجودة أمام استعادة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية وإعادة فتح سفارتي البلدين كما قال، من دون أن يأتي على تفنيد الأسباب التي دفعت المملكة قبل خمس سنوات لإغلاق سفارتها وقنصليتها في إيران.
كنت أود أن تخلق عندي تصريحات الرئيس «رئيسي» حالة إيجابية كالتي خلقتها لدى عواصم المنطقة، وخصوصاً أبوظبي والرياض والمنامة، لكن تصريحاته تلك لم تصمد طويلاً، فسرعان ما تبخرت بعد إعلانه استمرار دعم بلاده لجماعة «الحوثي» في اليمن، وهو ما يعني مواصلة إيران لنهجها وإصرارها على تمزيق اليمن ومن ثم بسط نفوذها وقرارها عليه كما فعلت في العراق، وما تود فعله في لبنان وسوريا، من خلال أذرعها التي تنفذ السياسة الإيرانية بحذافيرها.
طهران حتى اليوم تدعم بالمال والسلاح والتقنيات والخبرات ميليشيا «الحوثيين»، الذين يريدون اختطاف شعب بأكمله، إلى جانب استمراره شن هجماتهم على الأراضي السعودية، ولا بوادر لتغير الأوضاع في القريب العاجل مع تصريحات «رئيسي». فعن أي انفتاح في العلاقات مع دول الجوار يتحدث الرئيس الجديد والسياسة الخارجية الإيرانية ما تزال على «مبادئها» ونهجها؟
إيران التي تريد مدّ حدودها السياسية والعقائدية والثقافية إلى مختلف الجهات، وتسعى إلى عبور ما تستطيع من حدود، لن يختلف نهجها بين عشية وضحاها، ولن تتوقف عن الحلم بامتلاك سلاح نووي، وهو حلم مؤرق لها في ظل المعارضات التي تواجهها من الدول الكبرى، وبالتالي فإن الرئيس الجديد ومن سبقه ومن سيتبعه لن يغيروا في الأمر شيئاً، طالما أن المتصرف الوحيد في هذا الملف المرشد علي خامنئي، فالقرار بامتلاك هذا السلاح لديه فقط، لأنه صاحب القول الفصل في كل القرارات السياسية الإيرانية الكبرى.
إن وصول «رئيسي» إلى منصب الرئاسة لن يغير موقف إيران التفاوضي في المحادثات الرامية لإحياء الاتفاق النووي، وهو أمر تدركه واشنطن وبقية الدول الست الكبرى (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا وألمانيا)، ولهذا لم تكترث لمسرحية الانتخابات الإيرانية، ولم تعوّل عليها، كما لم تربط بين نتائجها والمفاوضات في فيينا، خصوصاً وأن رئيس البرلمان الإيراني صرّح بأن بلاده لن تسلّم وكالة الطاقة الذرية أي صور أو بيانات من داخل المواقع النووية الإيرانية، فاتفاق التفتيش بين الوكالة الدولية وإيران قد انتهى حسب قوله.
لا بارقة أمل أراها في أفق المحادثات، ولا تفاهمات حتى اليوم، فالخلافات بين الولايات المتحدة وإيران مستمرة، ليبقى الاتفاق النووي لعام 2015 معلقاً، إلى أن تغير إيران في الأمر شيئاً، وقد يأتي التغيير من حيث لا نحتسب.
إيران تذهب نحو المزيد من التعقيد بإصرارها على استمرار تخصيب اليورانيوم بالوتيرة التي تريدها، وبالكميات التي خططت لها، متجاوزة كل شيء، وربما متجاهلة حتى الوضع الداخلي الذي سينفجر يوماً بسبب ما يعانيه الشعب الإيراني من ضغوطات، أهمها الاجتماعية والاقتصادية.