أصدرت المحكمة العليا الكندية حكماً بدستورية فرض الحكومة الفدرالية لضريبة الكربون، والتي تهدف إلى فرض ثمن على التلوث في المقاطعات التي لا تتبنى خطة خاصة بها.

الحكم، الذي صدر بأغلبية 6 أصوات مقابل 3 في قضية مرجعية رفعتها إلى المحكمة مقاطعات أونتاريو وساسكاتشيوان وألبيرتا، استند إلى بند «السلام والنظام والحكومة الجيدة» الذي يمكّن الحكومة الفدرالية من سن سياسات في المجالات ذات الاهتمام الوطني.

وكتبت المحكمة تقول: إن «نطاق الاختصاص القانوني الفدرالي ينبغي ألا يكون إلا حيث تُثبت الأدلة عجز المقاطعات عن التعاطي مع المسألة»، وهو ما يشير إلى أن المسألة ليست مسألة اهتمام وطني فحسب، وإنما هي أيضاً مسألة تقتضي عملاً وتعاوناً وطنياً. وهذا خبر مرحَّب به. وقد شكّلت هذه القضية اختباراً كبيراً لقدرة كندا على التعاطي مع التهديد الحقيقي الذي يمثّله تغير المناخ. ويتضمن ملخص الحكم بضعة سطور نقلتها على نطاق واسع الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل فوري: «إن تغير المناخ حقيقة. وهو ناتج عن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري الناجمة عن الأنشطة البشرية، وهو ما يطرح تهديداً خطيراً بالنسبة لمستقبل البشرية. والطريقة الوحيدة لمعالجة خطر تغير المناخ تتمثل في تقليص الغازات المسببة للاحتباس الحراري». هذا الأمر بات الآن مقبولاً باعتباره حقيقة، وإن كان الإنكار الجديد لتغير المناخ يتخذ شكلاً أكثر تخفياً، للتأجيل والجمود والتقاعس. وفي كندا، يظهر هذا الإنكار جلياً في التدابير القليلة والمتأخرة (من بين أشياء أخرى) الرامية لتقليص التلوث الناجم عن الكربون، بالتوازي مع الخلاف حول نطاق الاختصاص القانوني. وفي نظام فيدرالي معقد يتميز بمرات من المنافسة، ومرات من التعاون، ومرات من أشياء في منزلة بين المنزلتين، يُعتبر القيام بعمل ما من أجل تغير المناخ أمراً صعباً، وإن كان شيئاً ضرورياً وغير كاف من قبيل فرض ضريبة على الكربون.. وذلك لأن نطاقات الاختصاصات القانونية تختلف في التزامها بالنضال من أجل مستقبل الإنسانية بشكل عام والكنديين بشكل خاص. كما تختلف المعايير. والحال أن غازات الاحتباس الحراري لا تعترف بالحدود ولا تتكيف معها.

وبالمثل، فإن تأثيرات تغير المناخ لا تحترم الحدود على الخريطة. ولهذا، فإن ما يحدث في منطقة اختصاص ما، يهم منطقة الاختصاص التالية ويعنيها. وبالتالي، فإن إطاراً وطنياً لمحاربة تغير المناخ يُعد ضرورياً، بما في ذلك المعايير والتوقعات التي يحددها. وكما كتب القاضي بالمحكمة العليا ريتشارد واجنر في الحكم: «كخلاصة، فإن الأدلة تُظهر بوضوح أن تبنِّي معايير وطنية دنيا من الصرامة بخصوص فرض ضريبة على غازات الاحتباس الحراري من أجل تقليص انبعاثات هذه الغازات، أمر مثير للقلق بالنسبة لكندا برمتها. وهذه المسألة دقيقة بالنسبة لردنا على تهديد وجودي للحياة البشرية».

ومن بين بواعث القلق المركزية التي يعبّر عنها معارضو فرض ضريبة على الكربون، بمن فيهم عضو منشق من المحكمة هو القاضي راسل براون، هو أن هذا القرار سيسمح بتدخل فيدرالي في نطاقات اختصاص المقاطعات، مما قد يُضعف النظام الفدرالي. وهذا كلام خطير، لكنه ليس مقنعاً. فعلى الرغم من أن المقاطعات سعيدة دائماً بتلقي أموال فدرالية من أجل إدارة برامج مثل التأمين الصحي، فإن الانخراط الفدرالي في المجالات المهمة ذات الاهتمام الوطني هو ما يسعى وراءه بند «السلام والنظام والحكومة الجيدة». وعند مواجهة تهديدات وجودية تتجاوز الحدود، فإن عدم مواجهة التحدي يتسبب في ضرر أكبر بكثير للمقاطعات من انخراط وحيد واستثنائي مرة واحدة عبر حدود الاختصاصات القانونية للمقاطعات.

والواقع أن كفاح كندا من أجل تبني معايير عبر حدود المقاطعات، إنما يعكس الكفاح العالمي لإقناع كل بلد بالمساهمة بشكل كاف في الجهد نفسه. فالعمل المناخي حافل بالمشاكل، من المتملصين من الدفع، إلى الأيديولوجيا المعارضة، إلى إنكار العلم، إلى هيمنة مصالح رؤوس الأموال. غير أن مقاربة كندا، ورغم أنها غير كافية حتى الآن، فهي تمثّل طريقاً واحداً إلى الأمام: معايير دنيا وطنية إلى جانب احترام نطاقات الاختصاصات القانونية، وذلك حتى تستطيع الحكومة المحلية سنّ السياسات كما يحلو لها ضمن حدود معينة. وأمام مشكلة تتحرك بسرعة رددنا عليها بشكل بطيء ومتأخر، فإن هذا يُعد أكثر من توافق معقول، بل إنه قد يكون توافقاً مبالغاً فيه، على اعتبار أن ضريبة الكربون أقل مما يمكن أن تكون.

ومع ذلك، فإنها تمثّل نموذجاً جيداً، وستبقى، وإن كانت السياسات التي تنطوي عليها في حاجة إلى أن تكون أكثر طموحاً. وحتى بعد قرار المحكمة العليا، ستواصل المقاطعات الكندية خوض معركة ضد أوتاوا حول فرض ضريبة للكربون، مثلما أشار إلى ذلك رئيس وزراء مقاطعة مانيتوبا، بريان باليستر. لكنها على المدى الطويل ستخسر. وللأسف، فإن الجهد والوقت والموارد التي ستتطلبها خسارة المعركة يمكن أن تُصرف على نحو أحسن، بينما نواجه تغير المناخ والوباء. لكنه خبر جيد مع ذلك، أي أن يفوز مؤيدو ضريبة الكربون في معركة كبيرة، وإن كان من المؤسف أن يضطروا لخوضها أصلاً.

*زميل مجلس بحوث العلوم الإنسانية والاجتماعية بقسم الاتصال في جامعة أوتاوا

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»