بعد تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة 35% العام الماضي، نتيجة إجراءات الإغلاق لمواجهة جائحة كورونا، يتوقع أن تستعيد نموها العام الحالي، في ظل توقعات نمو الاقتصاد العالمي بين 5 و6%، وفق تقديرات البنك الدولي. لكن هذا النمو يظل أقل بنسبة 25% عن مستواه في عام 2019. مع العلم أن الاستثمارات في الدول المتقدمة تراجعت بسبة 58% إلى 312 مليار دولار. وبينما تراجعت في أوروبا 80% عن مستواها، فقد كانت الولايات المتحدة أكثر جذباً للاستثمار مع تراجعه فيها بنسبة 40% فقط.
ومع اتجاه البنوك المركزية لتيسير السياسات النقدية، في ظل استمرار مخاطر الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، يواجه العالم هوةً خطيرةً بين الناتج العالمي والدَّين العالمي، إذ يقدر الناتج العالمي بنحو 84 تريليون دولار، بينما تصل قيمة الديون إلى 281 تريليون دولار، أي 3.5 أضعاف الناتج العالمي. لكن مخاطر هذه الهوة، خصوصاً في ضوء تداعيات جائحة كورونا، مرتبطة بالتفاوت الواسع الحاصل بين الدائن والمدين. فالدول الفقيرة تغرق في الديون التي قد تصبح مستدامةً وغير قادرة على خدمتها وخدمة اقتصاداتها، الأمر الذي يجعلها مستباحةً أمام الدول الدائنة التي ستمارس عليها أشكالاً من الضغوط والنفوذ للسيطرة على قرارها السياسي ومواردها الاقتصادية. 
وفي سياق الصراع السياسي القائم، والحروب التجارية، والتنافس الاقتصادي على قيادة العالم.. هناك تكتلان مع تحالفاتهما من الدول الدائنة، الأول يعتمد نموذج الدول الغربية التي تسيطر على القرار في «نادي باريس» الذي يضم 22 دولة، والمعني بالقروض المتعثرة، حيث يتم اتخاذ القرار بالتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين، مع الترويج لوصفة «تقشفية»، وبشروط تخترق الطابع السيادي للدول. أما التكتل الثاني فتمثله الصين، وقد تبين أنه من أصل 40 حالة إعادة تفاوض، هناك 16 منها انتهت بشطب كلي أوجزئي للدين، لكن الإعلام الغربي يروج دائماً للزعم بأن الديون الصينية هي نوع من «الفخ الدبلوماسي»، وليست أكثر من طريقة غير مباشرة للاستيلاء على المرافق العامة للدول المقترِضة وتحويلها إلى امتداد للنفوذ الصيني. 
وتبرز أهمية المخاطر المهدِّدة لسيادة الدول المدينَة واتساع عمليات إخضاعها لنفوذ الدائنين، أن نحو 62 دولة مصنَّفَةً من ذوي الدخل المتوسط والمنخفض تقع تحت أعباء دين سيادي بقيمة 691 مليار دولار، تمثل 33% من مجمل ديون هذه الدول البالغة 2.1 تريليون دولار. ويقدر إجمالي خدمة الدين بين عامي 2021 و2022 بنحو 330 مليار دولار. ويلاحظ أن 113 مليار دولار قيمة سندات سيادية محمولة من أكبر 25 صندوقاً استثمارياً، منها 17 صندوقاً أميركياً تحمل 111 مليار دولار من هذه السندات. ما يؤكد وفق دراسة أعدتها الشبكة الأوروبية للديون والتنمية، تحت عنوان «السندات السيادية وأزمة ديون كوفيد-19»، أن الصناديق الأميركية تتحكم بمعظم الدين السيادي حول العالم.


*كاتب متخصص في القضايا الاقتصادية