هل الأخلاق ثانوية في حماية وجودنا كبشر على وجه الكرة الأرضية والدفاع عنه، خاصةً في هذه الأوقات الوبائية؟ وهل تَحمّل التضحيات التي قد تمس حريتنا الشخصية أو راحتنا مثل التباعد الاجتماعي أو تجنب التجمعات العائلية والتسامر مع الأصدقاء أمر ثانوي؟!
اليوم، العالم أجمع في وضع صعب، ولابد من اتخاذ قرارات قد تبدو غير أخلاقية، كأن يتساءل الجهاز الطبي في المستشفيات: من الذي يجب أن يحصل على العلاج أولاً إذا كان هناك نقص في أسرّة العناية المركزة أو أجهزة التهوية والتنفس؟ فكيف سيقررون من سيحصل على السرير أو جهاز التنفس الصناعي؟ وما هي المعايير التي سيستخدمونها إذا كان المرضى في وضع خطير متماثل، والبعض منهم مثلاً كبير في السن والآخرون مراهقون وأطفال؟ فهل يعد إعطاء أولوية السرير والرعاية الطبية حسب السن والجنسية والحالة الصحية؟ وهل ستساهم الدول في مد يد العون لبعضها البعض بناءً على المصالح المشتركة بينها، والفرص السانحة لها؟ وما ستجنيه من ذلك التعاون خلف الشعارات الإنسانية الرنانة في الظاهر؟! 
فعلى سبيل المثال، أنشأت فرنسا «وحدات دعم أخلاقي» في المستشفيات لمساعدة الأطباء على تحديد المرضى الذين يجب منحهم الأولوية في حالة نقص الموارد، كما أن المستشفيات في المملكة المتحدة لديها خطط مماثلة، وتبقى أسئلة كثيرة تمثل معضلات أخلاقية معقدة، كأن تبدي الحكومات المشورة بشأن الوقاية من الأمراض لأفراد المجتمع، وتثير الذعر والرعب لديهم والذي تعكسه حقائق عن انتشار العدوى وماهية التحديات التي تواجه الدولة، فهل تطمأن الجمهور وتراعي الحالة النفسية التي يمرون بها، وحجم الخسائر في الاقتصاد وتعطل سير الحياة الاعتيادية، والالتزامات التي تقع على عاتق الدولة محلياً ودولياً؟ وهل ترتكب الحكومات جريمة مع سكانها عندما تقوم بإخفاء الحقائق بصورة جزئية أو كلية خوفاً على سمعتها ومكانتها الدولية؟ وقد ينتج عن ذلك وقوع خسائر بشرية مؤثرة وهم يمثلون كبش الفداء لإنقاذ كيان الدولة.
هل الأخلاق شيء قابل للتغيير وحالة تعتمد على الظروف، أم أن الأمر يتعلق بفهم معايير كل مكان وزمان يتم فيه اتخاذ القرار؟ وهل المسؤولية الأخلاقية فردية أم جماعية؟ وهل هناك أخلاق في القرارات الحكومية؟ ومن الأسئلة الأخلاقية في ظل جائحة كورونا مع إدخال لقاحات تبدو آمنة وفعّالة ضد فيروس كورونا الجديد، وتحول الجدل الأخلاقي إلى مسألة ما هي الطريقة العادلة والمنصفة لتوزيع إمدادات محدودة من اللقاحات على سكان العالم، وخاصةً بعد تطور مفهوم «قومية اللقاحات»، ولننتقل بعد ذلك إلى معالجة القيم الأخلاقية العامة التي ينبغي أن توجه التوزيع العالمي للقاحات، بما في ذلك مساعدة أولئك الذين هم في أمسّ الحاجة إليها، وتقليل الفوارق الصحية وإنقاذ معظم الأرواح، وتعزيز المنفعة الاجتماعية الضيقة، وتقليل الفوارق الصحية، وإنقاذ معظم الأرواح، ومما يأخذنا بالتالي إلى سؤال مدى فعالية اللقاحات، وخاصةً في ظل التحور الدائم لكورونا، وهو تساؤل يشكل نوعاً آخر من الضغوط الأخلاقية يتضمن السلوك الذي يقود الشخص إلى الشعور بالخيانة أو الإحباط.
وكيف السبيل إلى مد يد العون للملايين ممن فقدوا أعمالهم بسبب الجائحة، واتساع بقعة الفقر والبطالة عالمياً، وقطاع التجارة والمال والاقتصاد وخاصةً أصحاب الأعمال التجارية الصغيرة والمتوسطة، والأثر النفسي الذي ستتركه الجائحة على النشء لعقود قادمة؟ وهل يتحمل الأهالي تكاليف الدعم النفسي لتلك الفئة على سبيل المثال لا الحصر. وجميع هذه المعطيات جعلت العالم يعيد حساباته في ماذا يعني أن تكون لدينا أخلاق؟ وهل هي نسبية؟
* كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.