رغم مرور أكثر من 80 عاماً على احتلال فلسطين العربية، ما زالت المطالبات والمفاوضات والمباحثات والمؤتمرات والندوات جارية منذ ذلك التاريخ إلى الآن، في أكثر من دولة وبين أكثر من طرف ووفق أكثر من مبادرة أو رؤية.. لحل هذه الأزمة التي طالما مثلت قضية مركزية معقدةً وشاغله للعالم العربي والإسلامي ككل؛ سواء بسبب البعد الديني لمدينة القدس الواقعة في قلب فلسطين أو بسبب الموقع الاستراتيجي لفلسطين نفسها وبعدها القومي. هذا فضلاً عن وجود ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين توزعوا على بلدان الشتات، بما فيها بعض البلدان العربية والغربية منذ عام 1948 وإلى الآن. ورغم ما اتصف به الشعب الفلسطيني من ذكاء وتفوق معرفي وعلمي ومهني وانضباط سلوكي وأخلاقي وحس وطني وروح انتماء عالية لديه، فضلاً عن تمسكه بأرضه ومطالبته الدائمة بالعودة إلى دياره.. فإنه نادراً ما اجتمعت كلمة الفلسطينيين على موقف واحد، وهذا أحد الأسباب المهمة وراء تعثر وتعذر تسوية القضية الفلسطينية وحلها بشكل دائم حتى الآن؛ فمرة تقترب المفاوضات من السلام العادل الشامل، ومرة تبتعد وتمر بمفترق طرق، وتعود المواجهات للمربع الأول، بسبب التعنت الإسرائيلي وتجاهل قرارات الأمم المتحدة التي طُبقت على كل الدول، والتزمت بها ونفذتها ما عدا إسرائيل. 

والآن الوضع متوتر والمواجهات مستمرة والقتلى والجرحى يسقطون يومياً جراء هذه الصدامات بين الطرفين، بينما العالم يتفرج على أعمال القتل والهدم التي تنقلها الأخبار بكل برودة دم وأعصاب، وكأن الذي يجري مصارعة ثيران أو ديكة وليس بشراً تتقطع أوصالهم، وتتمزق أجسادهم!
وبغض النظر عن الأبعاد السياسية، فإن فلسطين قضية قانون دولي لم يجد الإرادة الدولية لتطبيقه، وبغض النظر عن من يقود أو يتزعم القضية الفلسطينية أو الشعب الفلسطيني وسلطته، أو مَن يتاجر بها من أجل مكاسب سياسية ومالية، أو مَن يدافع عنها بإيمان وضمير ووطنية وإنصاف.. فإنها أيضاً قضية إنسانية بكل مقوماتها، لأن الذي يجري قتلهم بشر، أطفال ونساء وعجزة ومرضى.. من مختلف الديانات والمذاهب والقوميات. 

صحيح أنه تربطنا بالفلسطينيين رابطة العروبة والدين والمصير المشترك، لكن فلسطين فيها بشر ينتمون لبني الإنسان.. فلماذا المنظمات الدولية والإنسانية صامتة بلا حراك إزاء ما يحدث هناك؟ لماذا بقي معظمها صامتاً لم يقدم أي شيء بمستوى الحدث الإنساني المؤلم، بينما نجد أن المبادرات فقط تأتي من الدول العربية والخليجية منها على الخصوص؟ لماذا لا يزال العالم يتفرج على هذه القضية المعقدة طويلة الأمد، والتي توشك أن تكمل قرناً من الصراع، دون حل جذري ونهائي لمعاناة هؤلاء البشر، حيث تسيل الدماء يومياً تلو الدماء، في مشاهد مؤلمة تدمي العيون والقلوب وتزيد الجراح جراحاً؟ 

يبدو أن هناك دولاً ومنظمات تريد لهذه القضية أن تستمر أطول وقت ممكن بلا حل ولا تسوية، متخذةً منها فزاعةً وورقةَ ضغط وابتزاز ومتاجرة، تستخدمها من حين لآخر، بغية تسجيل مواقف وكسب نقاط. وكلما تجمَّع العرب وتقاربوا فرقتهم تلك الدول والمنظمات وباعدتهم وأثنتهم عن مشاريعهم التنموية التي تحتاجها الشعوب وأولها الشعب الفلسطيني نفسه، المهجر منذ ثمانين عاماً بين المنافي من دون أرض ولا وطن ولا هوية!


*كاتب سعودي