اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يجب على الأوروبيين والأميركان، وقبيل الجولة القادمة من مفاوضات فيينا لإعادة الولايات المتحدة للاتفاق النووي مع إيران، قراءة وتدقيق المقال الأكثر عمقاً وتحليلاً، الذي كتبه صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلمان بن عبد العزيز، نائب وزير الدفاع السعودي، نائب رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للصناعات العسكرية السعودية، ونشر في يوليو 2018، وكان سموه يشغل حينها منصب سفير السعودية لدى الولايات المتحدة، وكان وما زال الأكثر إطلاعا على كافة الحقائق المتعلقة بسلوك النظام الإيراني المزعزع للاستقرار في إقليم الشرق الأوسط والعالم.
دعا الأمير خالد بن سلمان في مقاله الذي حمل عنوان «مواجهة سلوك إيران العدواني.. لا استرضاءه» إلى دعم استراتيجية أوسع لمعالجة سلوك إيران الإقليمي، وقدم شرحا مفصلاً اشتمل على جميع ما يحتاجه المفاوضون الأميركيون والأوروبيين اليوم لإدراج البرامج الصاروخية الإيرانية، وسلوك طهران الإقليمي، ضمن المحادثات في فيينا، وذلك قبل أن يقع الفأس بالرأس، وتتمكن إيران من تكريس الحديث حول «أرضية مشتركة» قائمة على نقطة خلاف وحيدة هي العقوبات الأميركية، وارتداء عباءة المظلومية المضحكة، التي يتأثر بها «الديمقراطيون»، لكنها مكشوفة ليس لدى «الجمهوريين» الأميركان فحسب، بل لكل من يعمل في السياسة حول العالم.
إذا تمعن الساسة والمفاوضون اليوم، وقبل أو خلال الجولة السادسة من محادثات فيينا، في كل الحقائق التاريخية والرؤى المعاصرة التي طرحها وناقشها سمو الأمير خالد بن سلمان، وتمكنوا من فهمها بوضوح شديد، فإنهم لن يجلسوا إلى طاولة المفاوضات وتدور في عقولهم وقلوبهم «سياسة استرضاء إيران»، بل ستستعيد المحادثات توازنها وعقلانيتها، وتصبح إيران متهمة وتحتاج إلى دفاع مستميت يُبيّن أنها حقا تنشد السلام والأمن من خلال موافقتها على تعديل سلوكها الإقليمي بشكل كامل ومراقبة أو الغاء البرامج الصاروخية، وبما يضمن لدول الشرق الأوسط أن إيران لديها هذه النية الحسنة، وما يضمن للعالم أجمع أن تلك هي نهاية طريق التوسع والإرهاب بالنسبة لها وليست بدايته.
بدأ سمو الأمير خالد بن سلمان بالمقولة الشهيرة للفيلسوف جورج سانيتانا: «أولئك الذين لا يتذكرون التاريخ محكومٌ عليهم بتكراره». وذكر أن القوى التوسعية تسعى هذه الأيام لملء الفراغ من خلال نشر أيديولوجيات الكراهية والعنف، وهو أمر يستوجب على المجتمع الدولي العمل بحزم لمواجهة هذه التحديات، وأنه وبلا شك حين نرى سياسات استرضاء إيران التي أثبتت فشلها، فان ذلك يعيد إلى الأذهان ما رأيناه في مواجهة ألمانيا النازية.
أشاد سموه بالسياسة الأميركية حينها التي قررت العمل مع الحلفاء لإيجاد حل فعلي وشامل ودائم للتهديد الإيراني النووي. والتي تضمنت جهوداً لإنهاء التهديد الذي يشكّله برنامج إيران للأسلحة الباليستية، وايقاف أنشطتها الإرهابية على مستوى العالم، والتصدي لنشاطها الذي يهدد الشرق الأوسط، وهي سياسة تتفق مع ما يراه جميع الحلفاء في المنطقة من أهمية وقف التمدد الإيراني الخبيث في المنطقة، سواء من خلال «حزب الله» الإرهابي، أو ميليشيات «الحوثي» التي جلبت الدمار والفوضى لليمن، والتي حاولت إيران، من خلالها، ترهيب المملكة العربية السعودية عبر إطلاق الصواريخ الباليستية، وأن إيقاف التمدد الإيراني يستدعي ردة فعل دولية حازمة من شأنها أن توقف إيران عن مدِّ أذاها نحو مختلف دول المنطقة.
يذكر صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلمان ما أشار إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي حين قال: «سنعمل بشكلٍ جماعي على إطار أوسع يعالج النشاط النووي، وما بعد 2025، والنشاط الباليسيتي، والاستقرار في الشرق الأوسط، خاصة في سوريا واليمن والعراق». ولابد من التذكير بذلك اليوم مرة أخرى، قبل أو خلال الجولة السادسة من المفاوضات في فيينا، فنشاط إيران النووي المخيف لا يقل بحال عن خطورة سلوكها العدواني في المنطقة أو أهداف برامجها الصاروخية، ومن غير المعقول أن يتعجل المفاوضون إقرار اتفاق جديد دون وضع الشروط والحصول على الضمانات الكافية التي تُلزم إيران بتغيير شامل لخططها القائمة على تأجيج الصراعات خارج حدودها وتسليح المتطرفين الذين ينفذون مساعيه نحو الهيمنة الإقليمية ودون أدنى احترام للقانون والأعراف الدولية.
الورقة الأخيرة الرابحة التي يمتلكها المفاوضون الأميركيون والأوروبيون هي فهم مقال سمو الأمير خالد بن سلمان وتحويله إلى تحدي وبرنامج عمل يوضع في وجه المفاوض الإيراني، مع ورقة العقوبات، وقبل أن تتحول تلك المفاوضات إلى مجرد محاولة أخرى لاسترضاء إيران والخضوع لسلوكها العدواني وطائراتها المفخخة وصواريخها البالستية.

* لواء ركن طيار متقاعد