في الوقت الذي تكافح فيه الهند الموجة الثانية من «كوفيد-19» وسط ضغوط على البنية التحتية الصحية بسبب نقص اللقاحات وغيرها من المعدات الطبية، بدأت أزمة صحية أخرى في الظهور منذ بداية هذا الشهر. ويحذر الأطباء من ظهور «فطر الغشاء المخاطي»، والذي يعرف أيضاً باسم «الفطر الأسود»، وهو مرض يمكن أن يكون قاتلاً كذلك. ويوجد هذا الفطر بشكل شائع في البيئة، بما في ذلك التربة. وقد عُثر على عدد من مرضى الفيروس التاجي، وخاصة أولئك الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، متأثرين بالفطر الأسود، أثناء تعافيهم من «كوفيد-19». ويبدو أن الهند الآن تواجه تحدياً مزدوجاً، فبالإضافة إلى حالات كورونا التي لا تزال مرتفعة جداً، على الرغم من انخفاضها عن الذروة في أجزاء كثيرة من البلاد، فقد شوهد عدد متزايد من حالات «الفطر الأسود»، مما يضع مزيداً من الأعباء على المنظومة الصحية التي تعرضت على مدى أسابيع لموجة لا تنتهي من حالات الإصابة بـ«كوفيد-19».
وقد وردت أنباء تفيد بأن آلاف الأشخاص يعانون من الفطر الأسود في جميع أنحاء البلاد، حيث أصيب ما يزيد على 10.000 شخص بهذا المرض النادر. وقد توفي أكثر من مائة شخص رسمياً حتى الآن بسبب هذا التهديد الجديد الذي ظهر في وقت تواجه فيه الهند تحديات صحية هائلة.

ويتواجد هذا الفطر في البيئات الرطبة ويؤثر على الجهاز التنفسي. وفي حين أن الأشخاص الأصحاء ليسوا عرضةً للإصابة، إلا أنه يؤثر على أولئك الذين لديهم جهاز مناعي ضعيف، وفقاً لـ«المركز القومي لمكافحة الأمراض والوقاية منها» الأميركي. وعلى الرغم من أنه ليس معدياً، بمعنى أنه لا ينتشر من شخص لآخر، إلا أن ما يفعله هو مهاجمة الجيوب الأنفية أو الرئتين بأعراض تتراوح بين تورم الوجه والحمى وتقرحات الجلد وآفات سوداء في الفم. ويبدأ هذا المرض النادر في الظهور على شكل عدوى جلدية في جيوب التجويف الداخلي للوجه والأنف والجبهة وعظام الوجنتين وبين العينين والأسنان، وفقاً لما ذكره الأطباء الهنود. ثم ينتشر إلى العينين والرئتين ويمكن أن ينتشر إلى الدماغ. ومن أعراضه اسوداد أو تغير لون الأنف، وعدم وضوح الرؤية أو ازدواجها، وألم في الصدر، وصعوبة في التنفس، وسعال مصحوب بدم.
وشهدت الهند موجة ثانية منهِكة من الإصابة بـ«كوفيد-19» فاقت الموجة الأولى بكثير. ولم تعرف البلاد من قبل مشاهد لمرضى غير قادرين على الحصول على الأوكسجين أو أسرة المستشفيات وسط نقص الأدوية. وحتى الأقاليم من البلاد ذات البنية التحتية الصحية الأفضل تعرضت لضغوط شديدة.

وفي العاصمة القومية دلهي نفسها، نفد الأوكسجين في مستشفيين على الأقل، مما أدى إلى وفيات بين المرضى. وبينما تتراجع الآن حالات «كوفيد-19» عن الذروة في المناطق الحضرية، فقد بدأ الفيروس في الانتشار داخل المناطق الريفية، حيث تتصف البنية التحتية الصحية بالضعف والهشاشة. وهناك الآن قلق بشأن الكيفية التي ستخرج بها المناطق الريفية في الهند من المرحلة الحالية الحرجة للوباء، في وقت تتسابق فيه البلدان لشراء مخزون من اللقاحات بغية تحصين أكبر عدد ممكن من سكانها.

عندما بلغت الموجة الأولى من كورونا ذروتها في سبتمبر من العام الماضي، كان عدد الإصابات في الهند يصل 97.000 إصابة يومياً. أما هذه المرة، فإن عدد الحالات يتجاوز 400 ألف حالة يومياً، مع تجاوز عدد الوفيات 4000 وفاة كل يوم. ومن الواضح أن الفطر الأسود آخذ في الظهور كمشكلة ضخمة تواجهها البلاد. وإلى جانب هذا، فإنه يُنظر إلى مرض السكري الذي لا يمكن السيطرة عليه على أنه يؤدي إلى تفاقم الأزمة لمن يعانون منه. كما يؤدي عقار «الستيرويد» الذي يصفه الأطباء لمرضى «كوفيد-19»، للحد من التهاب الرئة لديهم، إلى تثبيط المناعة وإلى ارتفاع في مستويات السكر.
وتعد الهند من بين أكثر الدول التي تعاني من مرض السكري، والذي يُنظر إليه على أنه يوفر بيئة مواتية للفطر الأسود الذي يزدهر في ظروف ارتفاع الجلوكوز والحديد. وتتضمن خطة العلاج إزالة الأنسجة المصابة والميتة لمنع الفطريات من الانتشار إلى أجزاء أخرى من الجسم مثل الدماغ. 

وبينما سجلت أكثر من 12 ولاية هندية حالات الإصابة بالفطر الأسود، تُعد ولايتا جوجارات ومهاراشترا الغربية الأكثر تضرراً من هذا الفطر، مع وجود أكثر من نصف الحالات المبلَّغ عنها في هاتين الولايتين، واللتين كانتا أيضاً الأكثر تضرراً من جائحة كورونا.
وبينما تحارب الهند هذا الخطر المزدوج، فإن الرسالة واضحة، وهي أن هذا العملاق السكاني سيضطر إلى زيادة الإنفاق على بنيته التحتية الصحية. وبينما كانت جائحة «كوفيد-19» تجتاح أنظمة الرعاية الصحية في العديد من الدول الغربية أيضاً، كانت الهند تشهد حدوث وفيات بسبب نقص الأوكسجين وأسرّة المستشفيات. ومن ثم، فقد حان الوقت كي تقوم الهند بتعزيز نظام الرعاية الصحية لديها. لقد أدت جائحة كورونا والفطر الأسود إلى زيادة الحاجة إلى التركيز على تحسين البنية التحتية الطبية، لاسيما في المناطق الريفية الأضعف والأكثر هشاشة.


*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي