يبدو أن مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي الإيراني، التي بدأت جولتها الأولى في شهر أبريل الماضي، وانتهت جولتها الرابعة في التاسع عشر من مايو الجاري، بمشاركة الصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والمملكة المتحدة وإيران- يبدو أنها ما تزال تدور في حلقة مفرغة، ما بين الشروط المسبقة التي تضعها طهران للعودة إلى التزاماتها النووية، وما بين استمرار الخلافات حول بعض الجوانب الفنية التي ما تزال تمثل عقبة رئيسية أمام عودة الولايات المتحدة الأميركية إلى هذا الاتفاق وكيفية ضمان التنفيذ الكامل والفعال لبنوده المختلفة. 
الجولة الرابعة من المفاوضات لم تتمكن من تقليص فجوة الخلافات حول القضايا الخلافية، ما يثير تساؤلات جوهرية حول مسار هذه المفاوضات التي سيتم استئناف جولتها الخامسة هذا الأسبوع، وهل ستنجح في تحقيق اختراق حقيقي حول هذه القضايا أم لا؟ كل المعطيات تشير إلى أن مفاوضات فيينا الحالية لا تختلف عن المفاوضات الماراثونية التي استمرت لسنوات قبل أن يتم التوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015، ولهذا ليس من المتوقع أن تحدث انفراجة قريبة في هذا الملف المعقد، بالنظر لعدة عوامل، أولها إصرار إيران على رفع العقوبات المفروضة عليها بشكل كامل، سواء كانت تستهدف مؤسسات اقتصادية أو قيادات من الحرس الثوري، قبل أن تعود إلى الالتزام بقيود الاتفاق النووي لعام 2015، وهذا ما يفهم من التصريحات التي صدرت عن العديد من مسؤوليها خلال الأيام الماضية، والتي تشير في مجملها إلى رفض طهران فكرة الرفع الجزئي والتدريجي للعقوبات، التي تقترحها الولايات المتحدة وبعض العواصم الأوروبية كإجراء لبناء الثقة. هذا في الوقت الذي تعارض فيه أوساط في الكونجرس الأميركي، وخاصة من جانب الحزب «الجمهوري»، رفع العقوبات على إيران، بدعوى أن ذلك من شأنه أن يطلق يدها مجدداً لتقديم الدعمين المادي والعسكري للميليشيات المسلحة المرتبطة بها، والتي تقف وراء حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة. 
ثاني هذه العوامل يرتبط بموقف إيران الرافض للسماح بأي تفتيش إضافي لمنشآتها من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، سواء أبرم اتفاق جديد أم لا، بالإضافة إلى رفضها التخلي عن أجهزة الطرد المركزي الأكثر تطوراً، والتي تستخدمها فعلاً داخل منشآت تخصيب اليورانيوم في نطنز وفوردو، في رفع مستوى تخصيب اليورانيوم، وتطالب الولايات المتحدة بتدميرها أو نقلها خارج إيران، فيما ترفض الأخيرة ذلك، وهي أمور فنية تثير الشك والتوجس في نواياها، وتعطي الانطباع بأنها تعاود استراتيجية كسب الوقت للحصول على المزيد من التنازلات والمكاسب. أما ثالث هذه العوامل فيرتبط بالانتخابات الرئاسية الإيرانية المقرر إجراؤها في يونيو المقبل، والتي تشهد تنافساً محتدماً بين «الإصلاحيين» و«المحافظين»، حيث يلجأ الطرفان إلى توظيف مختلف القضايا التي تعزز فرصهما بالفوز بها، وفي مقدمتها الاتفاق النووي، فغالباً ما يوجه «المحافظون» انتقادات إلى حكومة روحاني حول كيفية إدارة المفاوضات النووية، وتقديم تنازلات في هذا الملف، وهذا لا شك سيمثل أحد القيود أمام المفاوض الإيراني في محادثات فيينا الحالية، وربما يدفع إيران نحو مزيد من التشدد، ريثما تنتهي هذه الانتخابات. 
في ظل هذه المعطيات، يبدو واضحاً أن فرص حدوث انفراجة في مفاوضات فيينا التي تستأنف جولتها الخامسة هذا الأسبوع تبدو صعبة، لاعتبارات تتعلق بالداخل الإيراني من ناحية، وباستمرار الخلافات حول بعض الأمور الفنية بالاتفاق النووي من ناحية ثانية، وبتنامي القلق الإقليمي والدولي من استمرار سياسات طهران التدخلية في أزمات المنطقة وصراعاتها من ناحية ثالثة. 
تريندز للبحوث والاستشارات