ربما يكون مصطلح «السياسة الواقعية إصدار 2021» هو أفضل وصف للتوجه الجديد الذي يتبعه الرئيس جو بايدن في اثنين من التحديات السياسية في آسيا أرهقا الإدارات الأميركية في العقدين الماضيين وهما أفغانستان وكوريا الشمالية. ففي أفغانستان تقلص واشنطن تورطها العسكري القائم منذ 20 عاماً بغرض سحب كل قواتها في غضون الشهور الأربعة المقبلة. والنهج الجديد تجاه كوريا الشمالية يركز على التراجع التدريجي عن برنامجها للأسلحة النووية كجزء من تطهير شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية في نهاية المطاف. 

والمشترك في الأمرين بحسب السياسة الواقعية الجديدة هو الإقرار بحدود القوة الأميركية أحادية الجانب في عالم اليوم مع استخدام واشنطن لموارد القوة العظمى في بناء تحالفات أكثر فعالية مع الديمقراطيات الأخرى. والإصدار القديم من السياسة الواقعية كان يدل على شيء مختلف قليلاً. فالمصطلح ترجع أصوله إلى ألمانيا في القرن التاسع عشر وكان يدل على السعي الصارم لتحقيق المصالح القومية بصرف النظر عن المسائل الأخلاقية مثل حقوق الإنسان والحريات السياسية. 
لكن الرئيس بايدن، في تناقض صارخ عن سلفه دونالد ترامب، يعطي أولوية لهذه القضايا في السياسة الخارجية. فقد وصف المنافسة بين الديمقراطيات والنظم الاستبدادية بأنها تمثل الصراع المحوري للعالم الحديث. وجادل بأننا في لحظة حاسمة وتعهد بأن تعمل الولايات المتحدة مع الحلفاء لضمان سيادة القيم الديمقراطية ودولة المؤسسات. لكن «سياسة الواقعية» في أفغانستان- الخاصة بانسحاب القوات الأميركية لأنه لا يوجد ما يمكن أن تقوم به هذه القوات هناك- تنطوي على مخاطر شديدة على حقوق الإنسان. 

فقد استعادت حركة «طالبان» بالفعل السيطرة على نصف البلاد. والحركة عازمة على استعادة السيطرة على قسط من السلطة على الأقل بمجرد انسحاب قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. ومن المحتمل أن تهدد حرية التعبير عن الرأي والمنظمات الاجتماعية والسياسية المستقلة وحقوق النساء بعد أن اكتسبت هذه الأمور زخماً منذ أن أطاحت القوات الأميركية وقوات الحلفاء بنظام «طالبان» عام 2001. وفي كوريا الشمالية، تبدو خريطة حقوق الإنسان أكثر قتامة. ففي غمرة أزمة اقتصادية تتزايد تفاقماً بسبب الجائحة، ينظر الزعيم الكوري الشمالي كيم إل يونج إلى ترسانته النووية باعتبارها ضامن أساسي للبقاء السياسي. 

فلماذا تخرج واشنطن من أفغانستان وتتراجع عن أي مسعى في المدى القريب لتفكيك الترسانة النووية لكوريا الشمالية؟ وحسابات السياسة الواقعية التي قام بها السيد بايدن في ما يبدو هي أن سياسات الولايات المتحدة القائمة لم تعد تؤدي الغرض، فلم تحقق الهدف المطلوب: قيام حكومة ديمقراطية ومستقرة في أفغانستان أو تطهير كوريا الشمالية من الأسلحة النووية. ولذا، يتحول التركيز نحو تحركات محسوبة أكثر اعتدالاً وأطول أمداً. والإدارة مازالت تحاول أن تجمع قائمة تضم طائفة من الأطراف الخارجية المعنية في محاولة دبلوماسية للتوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة في أفغانستان لكن لا دلائل على تحقيق نجاح. 

ولا توجد دلائل على النجاح في كوريا الشمالية أيضاً. وبايدن يتبع نهجاً مختلفاً عن كلا سابقيه. فقد رفض باراك أوباما الإقدام على تواصل دبلوماسي جوهري مطالباً بأن تظهر بيونج يانج أولاً التزاماً جاداً بالتخلي عن محاولتها في امتلاك أسلحة نووية. واختار السيد ترامب عقد قمة عالية المراهنات مع السيد كيم مستهدفاً مقايضة إنهاء كل العقوبات الاقتصادية الأميركية بإنهاء برنامج كوريا الشمالية للأسلحة النووية. وكان رد كيم على الرئيسين السابقين هو الرفض. لكن إدارة بايدن تعتزم إبقاء كل القنوات الدبلوماسية مفتوحة مع بيونج يانج، لكن لا توجد انفراجة مبكرة موعودة أو متوقعة. والأمل يتمثل في رسم طريق أكثر تدريجية تجاه هدف إدارة ترامب في الوصول إلى نزع كامل للأسلحة النووية. 

والمسعى السياسي الأساسي لبايدن يمثل أولوية الأمد الأطول التي يعتبرها الأساس المحوري لطائفة كاملة من المصالح الأميركية، من الاقتصاد والأمن إلى حقوق الإنسان. وهذه الأولوية تتمثل في تزعم إحياء وتنشيط الحوكمة الديمقراطية في مواجهة أنظمة استبدادية تتزايد جرأة على المسرح العالمي. والتجلي الرمزي الأساسي لهذه الأولوية تمثله «قمة الديمقراطية» التي يعتزم عقدها في وقت لاحق هذا العام. لكن العمل التمهيدي اليومي يجري حالياً بالفعل. فقد دأب الرئيس ووزير الخارجية انطوني بلينكن ومسؤولون آخرون من وزارة الخارجية على إثارة قضايا سياسية ومتعلقة بحقوق الإنسان في تعاملهم مع الصين وروسيا وحكومات شعبوية واستبدادية أخرى. 

وعملوا أيضاً على جمع قوة آسيوية مؤيدة للديمقراطية في مواجهة الصين بتعزيز التعاون مع اليابان وكوريا الجنوبية والهند. وهذه الدول سيحضر عنها ممثلون في لندن مع استعداد بلينكن الانضمام إلى مؤتمر لوزراء الخارجية للاستعداد لقمة صيف هذا العام لوزراء مجموعة السبع الاقتصادية في المملكة المتحدة. والرسالة المقصودة من هذا النمط الجديد من السياسة الواقعية هو أن أميركا تعالج التحدي الأطول أمداً الخاص بتوفير دفاع دولي قوي عن الديمقراطية وهذا لا يعني أنها تتخلى عن قيمها السياسية. 

لكن في غمرة ما وصفته المراجعة الأمنية القومية للإدارة بأنه «أزمات متعددة متقاطعة» حول العالم، مازال السؤال هو أين تترك السياسة الواقعية (إصدار أو نسخة عام 2021)هذه القيم في مناطق أزمات معينة مثل أفغانستان؟
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»