التنوع والتمايز، سنة ربانية مقدرة على هذه الأرض، التي تعج بثرواتها الفكرية والثقافية والرؤى الفلسفية وغيرها الكثير من جوانب «الثروة العقلية»، التي لا يمكن لمس ملامحها إلا من خلال السير في طريق الإنسان المستقيم الذي أول ما ابتدأت إرشاداته الربانية المنزهة عن التحريف، أو التبديل، بـ «إقرأ»، لتمثل نتائج وثمار هذه القراءة والإمعان والتبصر، والتفكر للخروج بإجابات شافية كافية عن قضاياه وتساؤلاته المهمة والمحورية، والتي أسست بذرتها في مصادر التشريع: (القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة)، والتي تعني هداية فكرية، وإنارة سلوكية قويمة. 

وحتى يتعين فهم المقصود من هذه المصادر المقدسة، لزم تدخل الفقهاء والعلماء الساعين لتيسر الفهم على الساعين لذلك، والخروج من حيز المبهم للمجزم من خلال الإصغاء الدقيق لتأويلات النص الشرعي، ومكنوناته من خلال العلوم الشرعية، الرافدة للمجتمعات بنخب الفقهاء، والعلماء والدارسين لمخاطبة المسلمين. أضف إلى ذلك ما لحامل ودارس العلم الشرعي من فضل وتكليف وتشريف. 
ولقد تشكلت أساسات العلوم الشرعية من فقه، وتفسير، وقراءات، وتأويل انطلاقاً من مصدريي الوحي: القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة الذي كان الأساس المنيع لها كلها، ناهيك عن ظهور الملامح الأولى للعلوم اللغوية من بلاغة، وصرف، ونحو، وعلم اللسانيات المعروف بـ «Linguistics». وحين ابتدأت ارهاصات ولادة كل تلك العلوم من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، لم تؤخذ بصورة علم منفرد لكل منها، بل كان نتاج تدارس وتعمق في النص القرآني المقدس، الطامح للخلاص من ذلك الإبحار بغنائم التأويل، والفهم، والإفهام الفصيح السليم لأحكام هذا الدين، وعقائده، ومن ذلك نجد أن كل تلك العلوم ارتبطت بشكل مباشر وغير مباشر ببعضها البعض، الأمر الذي نشب عنه لاحقاً نوع من التضارب في ماهية فصل تلك العلوم، فاعتبروا أن اللغة العربية جزءاً من العلم الشرعي، وآخرون اعتبروه فرعاً مكملاً له، «فَفُهِمَ من هذا أن العلم الشرعي يُطلق على مَعْنَيَيْنِ... والعلوم العربية من العلم الشرعي بأحدهما ومن الآلات بالمعنى الآخر».
وإذا تناولنا استخدام هذا التكامل في الصناعة الفقهية الجديدة التي يتعطش أبناء المجتمعات المسلمة لنتاجها، فإن ولادة التكامل المعرفي من تغيير وتجديد مبدع، لا يسوق لترك القديم، أو تشويهه بقدر ما يعني أنه يصب في ميدان الإثراء، والإغناء، وتشكيل النسج القويم للعلاقات العلمية الناضجة، من خلال تقليص الهوة بين تلك العلاقات، وشبك كفي التبادلات المعرفية، في إطار التكامل المعرفي الحيوي. وكان قد أشار أبو الوليد ابن رشد، لضرورة الاستعانة بجزء مما ورد في «الثمار» الفكرية، والعلمية التي من حقل المعارف المغايرة حتى في ديانة قومها «يقصد اليونانية»، وهذا لا يعني في الوقت ذاته نسف الثوابت، بل توفير الجهد والوقت، من خلال بناء الفسيفساء المعرفية البشرية الكاملة «بالنافع منها»، والتي تقوم على التواصل والتداخل بين العلوم الحكمية الفلسفية والعلوم النقلية -على حسب تقسيم ابن خلدون- كوسيلة للتحصين بين عقل ونقل وهو أمر لا يؤذن بمفاصلة بينهما.
إن التكامل المعرفي بين العلوم الإسلامية والعلوم الاجتماعية والإنسانية يحقق التوازن بين التكامل الداخلي بين العلوم الإسلامية في ما بينها والانفتاح على الآخر بالأخذ من جميع التراكمات الإنسانية، باعتبار ذلك سنة حضارية «تدافعية» تغتني بعقل تعارفي تتعاضد فيه معرفة الذات بالاعتراف بالآخر والتفاعل المنفتح.