برنامج «المغرد» الذي يبث عبر قناة «الإمارات» يُمثل نقطة انتقال واقعي في صناعة المحتوى الوطني، أما إن كان البرنامج سيبقى أميناً على مفهومه للسؤال أم لا، فذلك في حكم الغائب، إلا أنه تحد يليق بالفكرة ومقدم البرنامج. البرنامج نجح في إدراك العناصر اللازمة في تأطير الفكرة: سؤال مستفز يبحث عن إجابة/ الضيف إماراتي مختص/ ومحاور (مقدم البرنامج) يتقن فن الاستماع. هل يطرح البرنامج جديداً، بالتأكيد نعم من حيث التعريف «بنا». فلطالما تناولنا ضرورات تجديد الخطاب، ومخاطبة الآخر بأدوات ثقافته، إلا أننا تأخرنا عربياً في تطوير الأدوات اللازمة في التعريف بهويتنا خارج إطارها التقليدي. لذلك يتوجب على الإعلام أن يُستفز ويستفز في بحثه عن أدوار غير تقليدية في اكتشاف ذاته.
ويجب ألا يقتصر مفهوم «تجديد الخطاب» على الخطاب الديني، فذلك شأن خاص من وجهة نظر الثقافات الأخرى، والعالم لن ينتظرنا حتى نتفق إسلامياً أو عربياً على مفهوم جديد لخطابنا الديني الخاص أو العام، إلا أن العالم معني بالتعرف علينا ثقافياً خارج إطار الأحادية المبهمة بالنسبة له. ويحضرني هنا سؤال من أحد المشاركين في إحدى الندوات عن بُعد وكنت المتحدث فيها (هل أنت سُني أم شيعي؟). كان ردي والذي انتقدني عليه أحد الأصدقاء «يا ترى هل من الإنصاف أن أسألك إن كنت كاثوليكياً أو بروتستانتياً، أو تأثير ذلك في سؤالك؟»، وهنا يجب أن أسجل اتفاقي مع نقد ذلك الصديق، فقد كانت ردة فعل غير موفقة نتيجة إصرار الآخر في اختزالنا في هويات فرعية نتيجة فشلنا في التعريف بنا خارج الأطر السردية.

ثقافياً، يجب أن نستمر في شحذ أدواتنا الإنسانية إنسانياً، وكذلك ألا نخشى تحديات أنسنة هويتنا مهما كانت تلك التحديات، فالتسامح واجهته تحدياته الخاصة، وكذلك المبادئ التي اعتمدتها المواثيق الإبراهيمية، إلا أنها تحديات تليق بريادة الإمارات إنسانياً. واقتصادياً، تستمر الإمارات في تسجيل حضورها المؤثر والمتنامي، والحال كذلك سياسياً على المستويين الإقليمي والدولي وكذلك علمياً.
يجب أن نعترف أن الهوية العربية متخمة بالسرديات التاريخية، التقليدي منها وغير التقليدي، لذلك يمثل لقاء سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود وحتى برنامج «المغرد» نافذة على مشروع محلي بصبغة جينية جديدة قد يتحول إلى محفز لتحولات طموحة لخطاب جديد يجتهد بثقة في التعريف ببعض تفاصيل هويتنا التي لطالما اختزلتها سرديات الأمس في أحادية لم يكن لها أن تحقق اتصالاً إنسانياً بالثقافة الإنسانية الحاكمة. 
* كاتب بحريني