بدعم أميركي وأوروبي، تبدأ تونس الاثنين المقبل مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد بنحو 3 مليارات دولار لتمويل عجز الموازنة والمساهمة في التنمية الاقتصادية. وتشمل المفاوضات برنامجاً إصلاحياً، يمكن من تعبئة الموارد المالية الضرورية بما يقي البلاد من خطر الإفلاس والفوضى، وأن يحقق هدفاً مزدوجاً، يضمن استقرار الاقتصاد التونسي في المستقبل القريب، مع تحقيق نمو مستدام. ويشدد خبراء الصندوق على ضرورة معالجة المشكلة المالية العامة وتراكم الديون بشكل حاسم، علاوة على تنفيذ إصلاحات عاجلة في منظومة الجباية، وسياسة الدعم، فضلاً عن تشجيع الاستثمار بتوفير الحوافز للمستثمرين، خصوصاً لجهة الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وجاء الدعم الأميركي على لسان سفير الولايات المتحدة في تونس دونالد بلوم، الذي عبر عن دعم بلاده لتونس في مفاوضاتها مع صندوق النقد، بهدف تعبئة الموارد المالية الضرورية لميزانية التنمية والتشغيل، وثمّن التقدم المحرز في البرنامج التنموي الذي تقوده مؤسسة «تحدي الألفية»، وهو يوفر نحو500 مليون دولار لدعم الاقتصاد الوطني. أما الدعم الأوروبي، فقد جاء على لسان ماركوس كورنارو سفير الاتحاد الأوروبي الذي عبر بدوره عن دعم الاتحاد لجهود الحكومة التونسية في برنامجها للإصلاح الاقتصادي، مشدداً على أن الاتحاد سيكون أول المدافعين عن تونس لدى البلدان الأعضاء في تنفيذ برامج طموحة تتعلق بالاستثمار والتشغيل.
وعلى رغم أن مديرة الصندوق كريستالينا غورغيفا قد أبلغت تونس، بأنها «ستبقى شريكاً موثوقاً به»، فذلك لم يمنع من التعبير عن الشكوى من عدم نجاح تجربة العلاقات بينهما في السنوات الماضية، بسبب تخلف الحكومة التونسية عن الالتزام بالإصلاحات الاقتصادية الهيكلية التي اقترحها الصندوق، والتي على أساسها حصلت على قرض بقيمة 2.9 مليار دولار خلال الفترة الممتدة بين 2016 و 2020. ولعل من أهم شروط الصندوق، تقليص الدعم وحصره بالفئات الفقيرة التي تستحقه، وخفض فاتورة أجور القطاع العام التي تبلغ 17.6% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي من أعلى المعدلات في العالم.
ولكن اللافت، أنه في حال موافقة الصندوق على القرض الجديد، فهو يغطي جزءاً يسيراً من حاجة الموازنة التونسية التي تعاني من عجز لا يقل عن 7.8 مليار دولار، وبما يعادل 11% من الناتج المحلي الإجمالي. الأمر الذي يتطلب المزيد من الاقتراض، في وقت تواجه فيه تونس صعوبات في الحصول على قروض من الأسواق الخارجية، وتتعرض لانتقادات الاقتصاديين ومعارضة نيابية، لإقدامها على الاستعانة بقروض داخلية، حيث تنافس القطاع الخاص في تمويل استثماراته.
وباعتماد تونس على الاقتراض لحل مشاكلها الاقتصادية، أصبحت من البلدان الأكثر اقتراضاً، مع العلم أن الدين الخارجي نشأ بعد الاستقلال، وكان يفترض به أن يكون أداة أساسية نحو تحقيق «التنمية الاقتصادية والاجتماعية»، ولكنه استمر كأداة لتمويل العجز المالي المتراكم، وأعباء خدمة هذا الدين المتزايدة، حتى إن صندوق النقد، وهو المقرض الأكبر، وجه انتقادات لحكومة تونس على خلفية توجيه القروض التي حصلت عليها، نحو توفير أجور جحافل من الموظفين في القطاع العام، وعدم توظيفها في مشروعات التنمية القادرة على توظيف فرص العمل أمام أكثر من 630 ألف عاطل عن الشغل. ونظراً لمستوى الدين الخارجي المرتفع، وتفاقمه، وتعدد انعكاساته الاقتصادية والاجتماعية، أصبح من أخطر معضلات الواقع التونسي.

* كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية