«كان شخصاً هادئاً ولم يكن متديناً بشكل خاص»، هكذا وُصِفَ القاتل الجبان «جمال قرشان» على لسان أحد أقاربه، وكان هذا الشاب الثلاثيني من أصول تونسية قد قَتلَ بطعنة سكينٍ شرطيةً فرنسيةً غير مسلحة عند مدخل مركز للشرطة بالقرب من باريس قبل أيام قليلة. 
وصرتُ أحرصُ على متابعة ما تقوله عائلات الإرهابيين الذين يقومون بأعمال إجرامية بشكل منفرد، وفي كل مرة تكون الآراء حولهم «إيجابية» وغير مصدّقة أن ابنهم ذاك اقترف جريمة إرهابية، وهي جريمة تختلف عن جريمة القتل العادية، ففضلا عن سبق الإصرار وسبق التدبير، فالمجرم يختار ضحاياه عشوائياً من دون عداوة سابقة معهم. 
ولا أزعمُ أنني تابعت كل لقاء أجري مع عائلة كل إرهابي، لكن كل الذين صادف أنني استمعت إليهم قالوا إنهم مصدومين، ولم يخرج أي واحد منهم ليقول: «لستُ مصدوماً.. هذه نتيجة طبيعية لطريقة تربيته وتنشئته.. هذه نتيجة ما غُرس فيه في البيت، والمدرسة، والشارع».. فهل القضية فعلاً قضية تربية؟ 
ثمة كتاب يتحدث عن جهد قرية كاملة لتربية طفل واحد، فالذي ينشأ في بيئة تمجّد العنف، وتستخف بسفك الدم، وتكفّر المختلف، وتلغي وجوده.. لا حاجة بعد ذلك إلى دفعه دفعاً لاقتراف جريمة إرهابية، بل لا فائدة بعد ذلك من تحذيره من الفكر الإرهابي، لأنه تلوث وانتهى أمره، ويبقى له هامش حرية صغير: أن يُقدم على التنفيذ أم لا يُقدم. 
أذكر حواراً في صحيفة عربية مع حسين حريري بعنوان «لست إرهابياً بل سعيت للإفراج عن الأسرى»، مع مقدمة احتفائية تقول: «بعد سنة على عودته إلى النور ودفء الوطن، يروي حريري تفاصيل السنوات السبع عشرة الطويلة والثقيلة التي أمضاها في سجنه السويسري..»، وتكتشف أن الحوار مع إرهابي خطف طائرة فرنسية سنة 1987 واحتجز ركابها كرهائن للضغط على إسرائيل للإفراج عن معتقلين لبنانيين، وتكتشف أيضاً أنه تشجّع على خطف الطائرات بعد أن قرأ عن تجربة مماثلة لزميل له في الإرهاب يدعى محمد علي حمادة.
وقبل سنوات قليلة شارك وزير في اعتصام دعا إليه نقابيون أمام مقر وزارة العدل في عمّان للمطالبة بالإفراج عن الجندي أحمد الدقامسة الذي قتل 7 طالبات إسرائيليات كنّ في زيارة للأردن عام 1997، ووصف الوزير، وهو محامٍ سابق، الدقامسة بالبطل وبأنه ما كان يجب أن يسجن أصلاً. ولم يُسجن قاتل الطالبات فعلاً؟ ولم يعاقب الجندي الخائن لقسم الجندية؟ ولم يظل في السجن من ضرب بقوانين بلاده عرض الحائط، وقرر من تلقاء نفسه إلغاء اتفاقية السلام مع بلد آخر؟ هذا ونحن أمام وزير في حكومة، وليس رجلا غاضباً يجلس على كرسي في مقهى. 
وظهر فيديو لعجوز يرتدي ثياب الإحرام وإلى جانبه ولد له، يقول فيه إنه سيؤدي وأولاده وبناته العمرة عن الشرطي التركي «مولود مرت الطن طاش» الذي اغتال السفير الروسي في تركيا، مشيداً بما أقدم عليه، ولاعناً كل مَن لا يحاول أن يفعل مثله.. وغداً إذا ما تورط أحد أولاد هذا العجوز الأحمق بجريمة إرهابية، فقد يخرج ليعبّر عن صدمته!