تستعد الولايات المتحدة للتعافي من الركود الاقتصادي الناجم عن الوباء بوتيرة أسرع من بلدان غنية أخرى، بفضل حملة التلقيح الناجحة وحزمة الإغاثة الاقتصادية الكبيرة. ورغم أنه قد يبدو أن الضعف في بقية العالم سيخلق عبئاً على النمو الأميركي، إلا أنه في الواقع يتيح فرصة لزيادة الصادرات. 
في أواخر 2020، تباطأ ما كان في البداية يبدو تعافياً أميركياً سريعاً بعد أن أرغمت موجةٌ جديدة من ارتفاع الإصابات بكوفيد- 19 الأميركيين على العودة إلى بيوتهم. ومنذ ذلك التاريخ، أبلت الولايات المتحدة بلاء جيداً بشكل مفاجئ بخصوص تنفيذ حملة التلقيح، كما تشير بيانات جديدة إلى أن اللقاحات ستكون فعالة جداً حتى ضد السلالات الجديدة التي أخذت تظهر الآن حول العالم. وعندما يكف كوفيد عن الهيمنة على أخبار العالم، سيسارع الأميركيون للخروج من منازلهم من أجل الأكل والتسوق والمرح، وساعتها سيتحسن الاقتصاد ويتقوى بشكل دراماتيكي، وخاصة أن الولايات المتحدة كانت سخية للغاية بخصوص الإنفاق على الإغاثة من تأثيرات كوفيد، ولا سيما بعد تمرير الرئيس جو بايدن مؤخراً لحزمة الـ1.9 تريليون دولار الإضافية. 

غير أن بلداناً غنية أخرى تظل عالقة في المشاكل الاقتصادية. كما أن إطلاق عملية التلقيح البطيء جداً في الاتحاد الأوروبي واليابان، إضافة إلى التأثير الأولي الأعمق للوباء في أوروبا، يعنيان أن الولايات المتحدة ستعود إلى مسار النمو الذي كانت عليه قبل الوباء قبل نظيراتها من دول العالم المتقدمة بكثير. 
بل إن «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» تتوقع أن تكون الولايات المتحدة الاقتصاد الكبير الوحيد الذي سيفوق اتجاه ما قبل الجائحة بحلول نهاية العام. وهذا أفضل حتى من الصين، على الأقل نسبياً. 

ولا شك أن هذا الوضع الخاص للولايات المتحدة باعتبارها الاقتصاد الكبير الوحيد الناجي سيعيق تعافيها من بعض النواحي. فتمتع أوروبا واليابان بصحة اقتصادية جيدة أمر جيد عموماً، نظراً لأنه خلال الظروف العادية تشتري هذه البلدان صادرات أميركية وترسل سياحاً لينفقوا أموالهم في الولايات المتحدة. ولكن الآن ستبقى معظم تلك العائدات مستبعدة، على الأقل لجزء معتبر من هذا العام. 
غير أن الأمر ليس سلبياً كله. ذلك أن تعافياً أميركياً سريعاً يعني أيضاً انتعاشاً قوياً للصناعة المحلية، نتيجة تعافي الطلب المحلي ونتيجة حقيقة أن العمال الذين تلقوا تطعيماً سيكونون قادرين على العودة إلى العمل في ظل قدر أقل من احتياطات الأمان المكلِّفة. وهذا الأمر سيضع الولايات المتحدة في وضع جيد لتزويد بقية العالم الغني بالسلع. 

ومع أن الطلب داخل تلك البلدان ما زال مكبوحاً بسبب الوباء، إلا أن الإمدادات المحلية هناك ستكون مكبوحة أيضاً، ما يتيح فرصة أمام المصدّرين الأميركيين لسد الفراغ.
أما السبب الذي يجعلني متأكداً من أن هذا الأمر يمكن أن ينجح، فهو أنه هو بالضبط ما تفعله الصين مع الولايات المتحدة. ذلك أنه خلال 2020، وبينما كانت الصين تحقق نجاحاً في كبح الفيروس والإصابات في الولايات المتحدة في ازدياد، ارتفع اختلال الميزان التجاري بين البلدين لصالح الصين. وانتقل المستهلكون الأميركيون، العالقون في بيوتهم، من شراء الخدمات إلى شراء السلع المصنعة؛ وكانت الصين مستعدة لتزويدهم بتلك السلع وقادرة عليه. 
وقد يكون بعض من ذاك الاختلال في الميزان التجاري قد قل الآن نتيجة عودة الولايات المتحدة إلى طلب الخدمات، وتباطؤ الصين بسبب التقشف وحملة تطعيم تبين أنها أضعف مما كان متوقعاً. 

وعندما يشرع المستهلكون الأميركيون من جديد في إنفاق أموالهم في المطاعم بدلاً من إنفاقها على موقع «أمازون» فقط، سيبحث المصنعون الأميركيون عن زبائن لسلعهم؛ ويمكن لبقية العالم أن توفّر تلك الأسواق، رغم أنها ما زالت تحت وطأة فيروس كورونا.
وبالتالي، فإن أمام الولايات المتحدة فرصة محدودة لاغتنام الوضع والاستفادة منه، ويجدر بها أن تدعم صادراتها بقوة خلال العام المقبل. 

وإذا كان الدعم الصريح للصادرات ممنوعاً وفق قواعد منظمة الصحة العالمية، فإن هناك طرقاً عديدة يمكن أن يكون فيها الدعم الضمني بديلاً للدعم الصريح، ومن ذلك خفض الضرائب، والتمويل الرخيص للتجارة، والمساعدة بخصوص التسويق، ودعم تدريب العمال، وخدمات الإرشاد. 

ثم إن هذا الجهد سيتوافق أيضاً مع خطة بايدن لإعادة الصناعة الأميركية إلى الولايات المتحدة وتعزيز سلاسل الإمداد فيها. فمساعدة المصنعين على التصدير وإغراء الشركات ذات الاستثمار الأجنبي بالعودة إلى أميركا خلال مراحل انحسار الوباء، يمكن أن يشكّل دروساً ثمينة بخصوص أي السياسات ناجعة وأيها غير ناجعة. وتلك الدروس يمكن تطبيقها بعد ذلك في المعركة الأطول من أجل الحفاظ على الولايات قوية اقتصادياً في عصر يتحول فيه النشاط الاقتصادي العالمي إلى آسيا. 

وعليه، ينبغي على الولايات المتحدة أن تغتنم هذه الفسحة القصيرة. وإذا كانت حملة التطعيم وحزمة التحفيز الممتازتان قد مكّناها من تحقيق قفزة إلى الأمام، فعليها الآن أن تستغل ذاك الوقت بحكمة لتحسين وضعها التنافسي على المدى الطويل. وعلى غرار ما حدث في أواخر الأربعينيات والخمسينيات عندما كانت بقية العالم منهمكة في إعادة الإعمار بعد الحرب العالمية الثانية، فإن هذه فرصة مواتية أمام الولايات المتحدة لتزداد قوة ونجاحاً.
محلل اقتصادي أميركي، أستاذ المالية سابقاً بجامعة ستوني بروك في نيويورك
ينشر بترتيب خاص مع خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»