رغم الهزة الداخلية العابرة التي تعرضت لها المملكة الأردنية الهاشمية في الأيام الماضية الأخيرة، وبالتزامن مع الذكرى المئوية لتأسيس الأردن. ورغم أنه إلى الآن لا تتوفر لدينا معلومات حول ما إذا كانت المؤامرة ضد الأردن مرتبطة بذكرى تأسيسه، أم أنه تزامن حدث بمحض المصادفة.. فإن التضامن الداخلي الذي قوّته هذه الذكرى لعب دوراً كبيراً في وأد المؤامرة وإخمادها في مهدها، وذلك لكي تمر المناسبة الوطنية والقومية بسلام وفي أجواء اطمئنان وفرح.
على سبعة جبال وسفوحها تتربع مدينة عمان منذ العصور الغابرة، حيث أصبحت عاصمة للمملكة الأردنية الهاشمية عند تأسيسها قبل مئة عام من الآن. ورغم مرور العديد من الحضارات والكيانات والشعوب على أرضها، مثل الآشوريين والكلدانيين والكنعانيين والفرس والهكسوس واليونان والرومان.. لا تزال هذه المدينة التاريخية العربية الأصيلة شامخةً وثابتة وشاهدة على تاريخها الجبار. فهي حاضنة الجميع ورفيقة الزائر العربي والأجنبي، وفيها يلتقي الماضي والحاضر، القديم والحديث، ويعيش بها نسيج اجتماعي من منابت وأصول ومنابع مختلفة وحضارات متنوعة، من البدو والحضر، ومن جميع القوميات والأديان والمذاهب والأقليات. وفيها تأسست مملكة أردنية هاشمية عربية إسلامية، تعاقب على عرشها ملوك الأسرة الهاشمية بشكل وسلسل ومرن. وقد تأسس لها برلمان قوي ومجلس أعيان. ويكاد يكون البرلمان الأردني من أقوى البرلمانات والمجالس التشريعية العربية، إذ يتمتع الأردن بديمقراطية صلبة وصحية سبق بها كثيراً من التجارب العربية في هذا المجال، حيث يعد البرلمان الأردني نموذجاً مهماً وحالة صحية في المنطقة.
ورغم شح الموارد المادية للأردن، إلا أن اقتصاده صامد وقوي وراسخ ولا يتزحزح أمام عاديات الزمن، وأمام كل الأزمات والمحن والظروف التي مرت على المنطقة العربية وعصفت بها لهشاشة أوضاعها وعدم استقرارها، بما في ذلك أحداث جسام وقلاقل وتحديات صعاب، ورغم ذلك لم تخضع عمّان ولم تنحن للعواصف من حولها، لقوة نظامها ومتانة مؤسساتها الرسمية وشفافية نهجها وقوة وصلابة جيشها الأردني العربي المعروف ببسالته وشجاعته. ويحسب للجيش الأردني أنه درب جيوش العديد من الدول الخليجية أثناء بداية تأسيسها، لما يتمتع به من خبرات ومعارف وقدرات، علاوة على مهنيته وحرفيته العسكرية العالية. لقد تعلّمت منه الجيوش الأخرى الكثير، فضلاً عن أن العديد من كبار الشخصيات العسكرية العربية والخليجية تعلمت وتدربت وتخرجت من أكاديميات الجيش الأردني وكلياته.
ومما يحسب للمملكة الأردنية الهاشمية صمودها في وجه المحن، إذ كان الأردن دائماً يقف من النزاعات العربية العربية موقفاً مسؤولاً، وعلى مسافة واحدة من جميع أشقائه، ودائماً ما كان الوسيط بين الأشقاء والمتخاصمين، لأن الشعب الأردني العربي الأصيل يتحلى بسمات وتقاليد وعادات عربية أصيلة راسخة. 

وتغلب على النسيج الاجتماعي الأردني البنية العشائرية المتماسكة، وهو مجتمع يحافظ على قيمه وتقاليده، لذا نجد أن حتى السياحة في الأردن «سياحة محتشمة» ومنضبطة بقواعد سلوك الشارع الأردني الذي تربى على قيم أخلاقية ورثها من نهج قادة الأردن وسلوكهم.
إن أمن واستقرار المملكة الأردنية الهاشمية مهم جداً للمنطقة ككل، ويعتبر صمام أمان لها، وذلك بالنظر إلى موقع الأردن الاستراتيجي وأهميته في النظام الإقليمي العربي، لاسيما وقد أصبح ممراً وملجأً لكثير من اللاجئين العرب من شعوب البلدان المجاورة ذات الأوضاع المضطربة. ورغم محدودية موارده الاقتصادية وشح مصادره المالية، إلا أنه صمد، واستثمر علاقاته الدولية والإقليمية ليظل قبلة اللاجئين العرب (خاصة من سوريا والعراق وفلسطين).
نتمنى أن تمر سحابة الصيف العابرة بهدوء وسلام من سماء الأردن، وأن تتزين عمان في الذكرى المئوية مرتديةً الكوفية الحمراء والعقال العربي، وهي بأحسن حال وأسخى عطاء وأتم طمأنينة وأقوى سؤدد. 

 

*كاتب سعودي